المخرج السينمائي المتألق حسين السلمان
(الغربـة كانت محطـة من محطات حياتي الفنيـة)
(افلامـي اشرعتي التي تأخذني الى شواطئ الـروح)
هذا الصرح المتالق والخزين من الثقافة والتجربة صادفته في معهد الفنون الجميلة حينما كان يشغل مسؤولية معاون رئيس قسم السمعية والمرئية في المعهد القسم الصباحي، يومها كنت محاظرا للتمثيل النظري والعملي للمرحلة الاولى والثالثة والصفوف المنتهية من مراحل الدراسة الصباحية في المعهد، تعرفت عليه ولم اكن اعلم شيئا عن اختصاصه ولا عن شهادته شيئا، والسبب في ذالك كونه انسانا لا يحب التظاهر بثقافته ولا يتبجح عما عنده من الثقافة ولا عن الشهادة التي حصل عليها من دراسته عن السينما في بلغاريا. انه انسان يعيش انسانيته بمحبة مع الاخرين وود لمن يعاشره بصفاء النوايا وطيبة القلب وتواضع شخصيته، صوته جهوري ومسرحي واذاعي في الوقت نفسه، كلامه مبعث طيبة تنبعث من طيبة قلبه، لا يشبه الذين يملكون من ثقافة الابجد هوز ويتبجحون بما ليس لديهم.
ان الفنان المخرج السينمائي حسين السلمان يملك ثقة بذاته وبثقافته الاكاديمية، ان كان يتكلم فتراه يتكلم بصمت وصمته هو لغة المثقفين حينما يعبرون لا بالسنتهم وانما بتعابير وجوههم وبدلالات رمزية وتعبيرية يفهمها من كان نبيها وذكيا من تفسير الرموز التي تتجسد معانيها على ملامح وجهه، ان هذا العملاق لا يثرثر بالكلام بقدر ما اعماله العديدة تكشف عن معالم سيرته ونتائج اعماله الفنية، انه ذو خبرة وتجربة اكتسبها من دراسته الجامعية في بلغاريا، هدفه ان يجدد وان يطور من خلال رؤية مليئة بافكار خرجت عن الكلاسيكية وان يساهم من خلالها لدعم مسيرة السينما العراقية، الا ان الظروف المرحلية التي يمر بها العراق لا تسمح له لممارسة دوره الصحيح وعلى ضوء الامكانيات الضعيفة للتقنيات الفنية لانتاج افلام ذات طموح تتوفر فيها مقومات وعناصر الانتاج السينمائي بتجربة تتماشى مع تجربة الافلام العربية ووصولا الى العالمية.
لقد احتضنت الناصرية عام 1950 ولادته، حيث نشأ بين اجوائها الشعبية وكما نشأ من قبله معظم الفنانين العراقيين الرواد من امثال حضيري ابو عزيز وناصر حكيم وداخل حسن وحسين نعمة وطالب القرغولي ومن الادباء عريان السيد خلف وزامل سعيد فتاح.
لقد بدأ هذا الفنان الموهوب منذ صباه بالعمل مع العديد من فناني محافظة الناصرية من المسرحيين الرواد وشارك في العديد من المسرحيات كممثل اجاد ادواره باتقان وبشهادة المعنيين اذاك بموهبته، ولهذا هو شب على حب القراءة والمطالعة للقصص القصيرة والروايات الطويلة لمعظم الكتاب العراقيين والعرب، واصبح عشقه للفن لا يضاهيه عشق ولا سيما المسرح والسينما، لقد بدأ حبه للكتابة في هذه المرحلة بالذات بحيث بلغ تحصيل ماكتبه من القصص والروايات القصيرة عددا لا يستهان بها جعلته مع عداد الكتاب المرموقين، حيث نال استحقاق اول جائزة له في مسابقة مديرية تربية الناصرية عام 1966.
بعد تقديم اوراقه الى ادارة معهد الفنون الجميلة، وامتثاله امام لجنة الاختبار والمتكونة من كبار اساتذة المعهد، نجح و تم قبوله طالبا في سنة 1967، وهكذ بدات رحلته الدراسية وهو يعوم فوق بحور الافكار الفلسفية وامواج المذاهب المسرحية ومحاظرات الاساتذة الرواد من امثال ابراهيم جلال وجعفر السعدي واسعد عبد الرزاق وبدري حسون فريد وسامي عبد الحميد وقاسم محمد، حيث اكتسب من روافد ثقافتهم معينا لا ينضب من المعلومات التي اهلته ان يشارك معهم في العديد من المسرحيات والتي عرضت من على مسارح بغداد.
هذا الخزين من الثقافة المكتسبة للمخرج حسين السلمان ونشاطه المتميز، لم يتوقف عن مشاركاته المسرحية، وانما بدأ بكتابة البرامج الاذاعية اليومية ومنها الاسبوعية لاذاعة بغداد، اضافة الى اعماله الدرامية والتي شارك من خلالها كمؤلف وممثل في التلفزيون عام 1969 في تمثيلية بعنوان(الكرامة)، لقد نجح في تجربته هذه، ونجاحه شجعه على ان يقدم العديد من التمثيليات منها:
الحلم، وبطاقة رجل وغيرها من الاعمال العديدة والتي تناولت قضية الانسان وحازت على اعجاب المشاهدين اضافة الى دعم المخرجين التلفزيونيين والذين شجعوه واثنوا على اسلوبه في الكتابة وشجعوه على استمرارية الكتابة، الا ان طموح هذا الفنان وبعد تخرجه من معهد الفنون الجميلة عام 1973 وحصوله على شهادة الدبلوم في قسم السينما وبتفوق دفعه على تحقيق حلمه الذي كان يراوده في اخراج فيلم سينمائي فكان له ما اراد، حينما اقدم على اخراج اول فيلم سينمائي كتبه واخرجه بعنوان (الجدار) عام 1973 وحصل على جائزة افضل فيلم روائي.
لقد استطاع هذا الفنان ان يقتحم جدار المستحيل وان يشق طريقه في عالم لا يدعم ولا يتشفع لاصحابي الكفاءة والطموحات المشروعة، ان اصراره وعزيمته وثقته بكفائته دعته يفكر بالاسلوب وبالطريقة التي منها يستطيع الدخول الى عالمه الذي من خلاله يعمل على تحقيق اهدافه، من خلال ايجاد قاعدة راسخة لسينما عراقية تاخذ مكانتها مع السينما العربية والعالمية، كان حلمه لا يتوقف عن الكيفية التي يرسخ من خلالها المفاهيم والقيم الانسانية للواقع المؤلم الذي يعيشه الانسان العراقي ومن خلال الصورة والصوت في فيلم سينمائي يتناول حياة الفرد العراقي في مجتمع بائس لا يتنفس الصعداء لعوامل عدة قاسية محكوم عليه منها: العادات والتقاليد الاجتماعية والتي تحيط بالفرد في مجتمع موبوء بالامية والجهل لا تسوده الثقافة الاجتماعية الا ماندر، كان همه ان يساهم في رفع الحيف عن هذا المجتمع ومن خلال روايات سينمائية تحكي عن هموم الشعب وعن معاناته ومن خلال ثقافة سينمائية متكاملة المقومات والعناصر التقنية، انه لا يؤمن بالسينما المؤسساتية والتي تعمل على خدمة النظام وسياسته، انه يفضل العمل في افلام مستقلة الانتاج، في شركات تؤمن بقضية الانسان وبتحريره من القيود البالية والتي تطوق ارادته وتمنعه من حرية التعبير عن هذه الارادة، شركات تسعى الى تحرير الانسان من حالة الركود الاجتماعي والسياسي ومن خلال انتاج روايات لمؤلفين عراقيين يمتلكون افكارا تنادي بحرية الانسان وتجسيد هذه الروايات بافلام سينمائية. ان المخرج الفنان المتالق الاستاذ حسين السلمان شاب بعطائه، ويؤمن بعطاء جميع الشباب من ذوي المواهب، ولهذا يامل من ان تعمل الحكومة على تهيئة السبل الكفيلة بتطوير مهاراتهم الفنية، ودعم مواهبهم وذالك بايفادهم الى الخارج بزمالات دراسية الى مصر العربية والى جامعات ايطاليا وروسيا وفرنسا، وخلق علاقات ثقافية مع هذه الدول، ولقد صرح بذالك وعن طريق الوسائل الاعلامية السمعية والمرئية، ولكنه ينتابه الالم حينما لا يلمس مثل هذا الدعم من قبل الحكومة للقطاع السينمائي.
اما عن اسلوب عمله في الاخراج السينمائي فهو يهتم في كتابة السيناريو، وبمواقع العمل لبيان مدى صلاحيتها وملائمة اجوائها لتجسيد احداث الفيلم، ان الفنان حسين السلمان دقيق في عمله، ويعمل وبموجب ما لديه من الثقافة في مجال صناعة السينما والخبرة التي اكتسبها من خلال دراسته في بلغاريا ، ولهذا هو يعول نجاح مستقبل السينما العراقية على الشباب ودورهم في التغيير والتطوير من الجيل المعاصر لما قدموه من حقول تجاربهم اعمالا لافلام قصيرة نالت استحسان النقاد والمعنيين بالسينما العراقية.
هناك العديد من المهتمين في السينما وثقافتها يتباكون على عدم وجود منافذ ثقافية تدعم التثقيف المحلي للذين يهتمون بصناعة السينما، وعن طريق التواصل الاجتماعي اجابني هذا الفنان بتالم لمثل هذه الادعات، حيث انه اعد برنامجا ثقافيا وبالتعاون مع اتحاد الاذاعيين والتلفزيونيين، من خلال تاسيس نادي سينمائي لكل من يهتم لصناعة الافلام السينمائية ومما يؤسف له لم يدعم من قبل الذين يهتمون بصناعة السينما. لقد جاهد الفنان المخرج حسين السلمان على خلق حركة سينمائية لافلام قصيرة وبالامكانيات المتوفرة، حيث نجح في تحقيق ذالك باخراج فيلم (حلم افتراضي) قصة هذا الفيلم وكما يرويها الفنان حسين السلمان وعن طريق موقع التواصل الاجتماعي، ان الفيلم يتحدث عن امراة تتابع مشاهدة لمباراة كرة القدم من على شاشة التلفزيون في مقهى شعبي، والذي انحرم ولدها من متابعة هذ اللعبة لاستشهاده في المعركة، هدف المشاهدة لهذه الام ان تروي تفاصيل هذه اللعبة لولدها الشهيد حينما سياتيها في حلمها.
هذا الفيلم هو لحكاية افتراضية كتب لها السيناريو المخرج حسين السلمان وقد شارك في تجسيد الادوار كل من الفنانة المبدعة هناء محمد والفنان المتالق مازن محمد مصطفى– الخ، انه من انتاج قناة كربلاء الفضائية والذي سيعرض في مهرجان النهج السينمائي في الاول من نيسان.
ان اسلوبه في الاخراج هو الاهتمام ببناء شخصية الممثل من خلال حوار محبوك، وتاليف قصة متكاملة العناصر من مقومات الحكاية الدرامية، مع شرح تفاصيل الاحداث للممثل، ليساعده على ايجاد ابعاد الشخصية من خلال تحليل علمي يتفق مع رؤياه في الاخراج، وتجسيد علاقة كل شخصية بالاحداث المتصاعدة وفق بناء صراع متنامي مبني على ثقافة علمية في كيفية كتابة السيناريو، وفي مشاهد متلاحقة ومتسلسلة من اجل خلق عنصر الاثارة والتشويق، انه يتفاعل مع كل شخصية لتوصيلها الى الممثل ومع توضيح معالمها اي توضيح ابعادها، وهذا الاهتمام نابع من خلال تجربته وخبرته في صناعة سينما متطورة ذات تقنية عالية ليستطيع ان يصل بمضمون القصة السينمائية الى المتلقي وبحالة تتفق مع مداركه ومستواه، وهذه الخبرة في الاخراج هي نابعة من ثقافته الاكاديمية ومستواه العلمي الذي اكتسبه من دراسته في بلغاريا، وفي اتصالي معه على موقع التواصل الاجتماعي، افصح عن المه حينما لايجد كاتب سيناريو سينمائي يعتمد على حرفية متطورة، وعلى الرغم من الاعلانات المكثفة من قبل المؤسسات ذات العلاقة بانها ستعمل على فتح دورات تثقيفية، وانها ستباشر بدعم الفن والفنانين ولكن على كولت المثل (خل ياكلون بجاه خالهم) لم يلمس شيئا من هذا الدعم، فلذالك، فانه لا يحبذ فكرة الانتاج الحكومي، لكون المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بصناعة السينما مشلولة ولا يمكنها ان تتفاعل مع متطلبات هذه الصناعة ضمن ظروف هذه المرحلة الراهنة، ولهذا هو يميل الى الاعتماد على الانتاج السينمائي للشركات الاهلية وكما هو معمول في السينمات العالمية.
- ·انه ينظر الى مستقبل السينما العراقية بتفائل ومن خلال اعتماده على جهد المخلصين من الفنانين الحقيقيين والذين يملكون ايمانا بحرفيتهم وقدسية هذه الصناعة.
- ·انه دقيق في عمله، حيث يبدأ في اولى تحضيراته على العمل بتحويل فكرة القصة الى سيناريو مكتوب وفق منظوره، مراعيا فيه سير الاحداث والشخصيات والبناء الدرامي والحبكة الى ان ياتي على نهاية الفيلم .
- ·انه يراعي في السيناريو حرفيته في خلق حوار متناغم وشاعري بين الشخصيات، اضافة الى تفاصيل المشاهد واوقاتها. وكذلك يعمل على اختيار فريق العمل من المساعدين والممثلين الذين سيقومون باداء ادوار شخصيات العمل، وتدوين الخطة النهائية والاستقرار على اسلوب وطريقة التصوير.
- ·اضافة انه يشرف على تصميم الاضاءة الملائمة لكل مشهد من مشاهد الفيلم، ويتفق مع مصمم الازياء على تصميم الازياء لشخصيات العمل بحيث تتفق ازياء كل شخصية مع مواصفات هويتها الثقافية والاجتماعية، اضافة الى هذا فهو يشرف على اختيارات الاكسسوارات التي تساعد الممثل على تكامل شخصيته.
ان الفنان حسين السلمان يهتم بالتنفيذ الناجح والدقيق بعد التجهيز الجيد الى ان يصل به المسار الى مرحلة المونتاج والمكساج، ولهذا ومن خلال اهتمامه وحرصه على نجاح العمل يقوم بمساعدة المونتير بترتيب المشاهد واختيار افضل اللقطات، وقد يؤدي به الحال في بعض الاحيان الى حذف بعض المشاهد والتي يراها غير مناسبة لافكاره ورؤيته الاخراجية.
هذا الفنان السينمائي يشرف بنفسه على تعديل الوان الفيلم وضبط الاصوات، اضافة الى اهتمامه بالمؤثرات الخاصة والموسيقى التصويرية. واخيرا ان هذا المفكر الاديب والفنان المخرج قد اخرج وكتب العديد من الافلام الروائية والوثائقية منها:حدث في يوم واحد، صمت الضجيج، تاويلات، تصفيق، يوميات فلاح،--الخ.
واما مايخص اصداراته في السينما هي: التطور الابداعي في السينما، قراءات في الفرضية الجمالية للسينما، تحت ظلال الزقورة-- الخ. وكذلك اصداراته الادبية فيما تخص حرفية الفنانين السينمائيين منها :سيناريوهات تستحق التنفيذ، الدايني، تعدد زوايا الرؤية، ترجيديا قراءة الخوف، سامي عبد الحميد، واخيرا – يبقى الفنان المخرج السينمائي الاستاذ حسين السلمان علما من اعلام الصناعة السينمائية المتطورة، ومخرجا مبدعا لا يعرف المستحيل.