ليس عجبا ان اوقفني اسمها اياما، لاختار العنوان الذي يليق بهذا الصرح الشامخ، عنوانا يجسد مدرستها في التمثيل المليىء احساسا صادقا ومشاعرا نبيلة صادرا من قلبها المفعم بمحبة الجماهير والتي اعجب بفنها، والتي بقيت تصفق لهذه الفنانة الرائدة في عروض عديدة من عروضها المسرحية، البيك والسائق، والحصار، والاشجار تموت واقفة، وكلهم اولادي- الخ.
سليمة خضير التي ابهرت الفنانات في العالم العربي بفنها واسلوب تمثيلها، وكذالك دعت الاديب العربي وزير الثقافة والاعلام المصري سابقا الاستاذ يوسف السباعي يصفق لها متعجبا باكاديميتها وحرفيتها في التمثيل من خلال مشاركاتها في مهرجان المسرح العربي في القاهرة.
لقد اثبتت وجودها الفني وجسدت حرفيتها وهي على خشبة المسرح في تمثيلها الادوار الصعبة منها المركبة والبسيطة، ادوارا من ادب المسرح العالمي او الشعبي، لم يفرق لديها سوى ان همها كان الاخلاص والوفاء لمسيرتها الفنية المسرحية والمحافظة على نجوميتها طوال حياتها، سليمة خضير هذه الانسانة والتي تحمل قلب الامومة باحاسيس الامومة الصادقة والتي امنت ومن خلال هذه العاطفة النبيلة ان الانسانة الام هي من ربت ورعت وليدها الغير البايلوجي بمحبة صادقة غير التي حملته في بطنها تسعة اشهر في رحمها، سليمة خضير ترجمت صفات الام الحقيقية بمشاعر الامومة الصادقة والتي حملتها طوال حياتها ومازالت تلك المشاعر تكتم انفاسها في كل ذكرة من حياتها وهي تتذكر ابنها وسام والذي فارق الحياة وجعلها مشتت الفكر لا تفكر بسواه، وحتى اضطرها هذا التفكير للاعتزال الفني.
هذا الرحيل لولدها وسام، كانت دقات قلبها تنبض نبضات غير اعتيادية في كل لحظة ياتي اسم وسام على مسامع اذنيها، لقد فارقت ولدها والمسرح انما المسرح لم يفارقها منذ اعتلاء هذه الفنانة الرائدة على خشبة المسرح في البصرة واعجبت جماهير البصرة بفنها وباسلوبها الفني وهي على خشبة المسرح تؤدي ادوارا صادقة بمشاعرها وبفنها مما جعلت اصداء نجوميتها تصل الى اسماع المسؤولين من الفنانين الكبار في بغداد وعلى اثرها قاموا بانتدابها الى الفرقة القومية للتمثيل ومن ثم ثبت ملاكها الوظيفي على الفرقة.
لقد شاركت جميع العروض المسرحية لهذه الفرقة ومن خلال ادوار رئيسية تليق بمقامها وسيرتها الفنية، وكانت ايضا قد شاركت في معظم عروض فرقة المسرح الحديث والى جانب اكبر نجوم المسرح من العناصر النسوية منها زينب وناهدة الرماح وسعدية الزيدي وزكية خليفة وابنسام فريد، واثبتت انها لا تقل حرفية عنهم ونجومية سجلت لمسيرتها الفنية النجاح المبهر في ادوار عديدة ومختلفة منها الام والزوجة المثالية المعاصرة والشعبية، ادوارا اجادت تجسيدها على المسرح ونالت استحسان الجماهير والنقاد ومن المهتمين في الدراما العراقية في العراق .
ان سليمة خضير هذه الفنانة المعطاء حملت اوجاع شعبها في قلبها، وشاركت ماسيه ووقفت الى جانب الفقير لتجسد جوعه وعطشه وحرمانه من الحياة السعيدة.
لقد اتخذت من الادوار الانسانية والتي تحمل قضية الانسان وهي تعيش الامه وحرمانه ولهذا كانت لا تقبل تمثيل اي دور مالم يعالج قضية انسانية ترى في مشاركتها معالجة جذرية وحلا لهذه المشكلة، ولهذا اتهمت بالميل الى سياسة يسارية وكما جرت العادة في الاحقاب الزمنية الماضية، الا ان هذا الاتهام الباطل لم يردعها عن مواصلة اهدافها الانسانية والوقوف الى جانب القضية الانسانية والمشاركة في حلها ومن خلال عدة عروض مسرحية ناقدة وساخرة ان كانت عروض كوميدية او تراجيدية في نصوص شعبية او نصوص فصحى.
ولهذا اشتهر نجمها الفني واصبح مواكبا مع مصاف نجوم المسرح من الذين لهم باع في هذه الحرفة الاكاديمية، لا بل انها تجاوزتهم بادوار اثبتت من خلالها انها اكثر منهن خبرة وحرفة في المسرح العراقي والعربي مما استدعت انتباه كبيرات نجمات المسرح المصري في حضورهن مهرجانات المسرح العربي في دمشق او في القاهرة مما استدعت لجنة التحكيم على منحها تكريم لافضل ممثلة اثبتت جدارتها من على المسرح العربي في دمشق والقاهرة، كانت تعبر عن اسلوبها في التمثيل بمدرسة اوجدتها لنفسها ومن خبرتها وتجاربها في الحياة، واخذت تطبقها في مسيرتها التمثيلية من خلال عروضها المسرحية، فهي لم تكن تتوانى عن اخذ مشوراتها الفنية عن ادوارها المسرحية حتى من اصغر تجربة في االتمثيل كانت ممثلة او ممثل، لترضي نفسها ولتتاكد من انها قد قدمت عرضا شيقا للجمهور.
لقد تاثرت بمسرح ستانسلافسكي الواقعي، ومسرح برشت التعليمي، ومسرح ابسن صاحب التحديث والمعاصرة في المسرح الحديث، وهذا ما اثبته ادائها في مسرحية الاشجار تموت واقفة، ومسرحية البيك والسائق، ومسرحية الحصار.
لقد مثلت في مسرحيات اخرجها كبار اساتذة الاخراج والتمثيل، وعملت على تجسيد ادوارها بمنتهى الحرفية المسرحية، فلقد اجادت دورها في مسرحية (الاشجار تموت واقفة، واثبتت من خلال ادائها المتميز انها فارسة المسرح والتي تعطي للدور حقه ومن خلال خبرتها وثقافتها الاكاديمية، كانت تعمل على تحليل شخصية الدور، وايجاد ابعاده، وتجسد ثمار تحليلاتها من خلال عطائها المتميز، ولهذا اثبتت جدارة في المشهد الاخير من مسرحية الاشجار تموت واقفة، جدارة عزفت من خلالها اروع سمفونيات التالق والنجاح والنموذوج الابداعي والذي امتزج مع تصفيق الجمهور والذي ابهره عطائها، وكذلك في مسرحية الثعلب والعنب والتي كانت لولب المحاورة المسرحية من خلال حوار اثارت فيه عنصر التشويق والاثارة، من خلال بناء متنامي ينسجم مع الاحساس الداخلي كرد فعل متساوي مع الافعال الخارجية، وباحساس ينم عن ملكة الثقافة في التعامل مع الدور باسلوب اكاديمي.
كانت تعتني بالصوت والالقاء، وتهتم بهما حالها حال الفنان المتالق صلاح القصب، حينما كانت تختلي مع نفسها خلف كواليس المسرح القومي لتقوم بتمارين تتدرب من خلالها على فنون تربية الصوت والالقاء الاكاديمي، ولهذا كانت تتعامل مع صوتها في التمثيل وهي على خشبة المسرح تعاملا اكاديميا بحيث تحاول بان تصل بصوتها الى اخر فرد من الجماهير والجالس على اخر كرسي في القاعة، مؤمنة بان توصيل الكلام الى الجمهور هي عملية صعبة الا انها من خلال تمارينها اليومية عملت على انجاح هذه المقومات الفنية والتي يجب ان تتوفر في الممثل الناجح من تربية الصوت والالقاء.
ان ام وسام كانت وما زالت زوجة لزوجها لاعب كرة القدم، الذي اشتهر بفنون لعبه ومهارة تصديه لضربات الجزاء، وزوج كان ومازال يقف الى جانبها في وعكاتها الصحية، ويحترمها لانسانيتها ولفنها، انه ذلك الانسان الذي لا يجد سعادته الا في قربها، ولذلك فهي لا تنفك لحظة دون الدعاء له بالصحة وديمومتها والدموع تنساب على وجنيتها في حديث لها من خلال برنامج كرسي، لقد تكلمت ومن خلال هذا البرنامج عن محبتها لشقيقتها الفنانة امل خضير، وللجمهور الذي احبها وعشقها من خلال عروضها المسرحية.
هذه الفنانة التي تحترم زميلاتها الفنانات والتي لم تستطيع التفريط بصداقتهن ولا سيما الفنانة العراقية والرائدة في مسيرتها الفنية الممثلة مديحة وجدي والتي كانت تمسك بالمصحف الشريف وهي تتلو بعض الايات من اجل سلامة عمليتها الجراحية عند دخولها الى صالة العمليات، كانت سليمة خضير تحدق في عيون زميلاتها وزملائها من الفنانين الذي حضروا يوم خضعت الى عملية صعبة وهي تودعهم بدموع الحزن والالم لا خوفا على فشل العملية وانما خوفا على فراقها لهم، انما بدعاء الزملاء ومهارة اطبائنا العراقيين استطاعت هذه الفنانة الرائدة ان تجتاز محنتها الصحية بسلام وان تعود الى اصدقائها ومحبيها الفنانين والى جمهورها الذي شاركها هذا الحزن خوفا عليها من عدم نجاح العملية الجراحية، الا انه وبقوة الباري عز وجل عادت بابتسامتها المعهودة بالفرح والمليئة بالامل للمستقبل الاتي وهي تعيش حياتها في اربيل مع عشاق فنها والرعاية الكريمة والتي تنالها من قبل حكومة كردستان الحبيب، اضافة الى انها نالت تكريم من قبل وزارة الثقافة والاعلام العراقي وعن طريق ممثلها الرسمي في اربيل ومع زميلتها الفنانة ابتسام فريد.
ان الفنانة سليمة خضير صريحة اللسان، ولا تجامل على حساب كرامتها ومسيرتها الفنية ولهذا نجحت في مسيرتها المسرحية، فهي ترفض التعامل مع نص لا يخدم طموحها الفني، وكذلك ترفض دورا تراه لا يتناسب مع ما قدمته من الادوار التي حافظت على نجوميتها.
اضافة انها تتاكد من النجوم والذين سيشاركونها العمل ومن ثم تعطي قرارها بالموافقة على المشاركة، لقد مثلت هذه الفنانة المتالقة في الاذاعة معي، ومن خلال برامجي الزراعية، فكانت تجيد اللهجة الريفية وتعطي حقها للمتلقي الكريم، وكذالك في التلفزيون والسينما والمسرح، واصبح لها رصيدا من الاعمال تشهد لها على تالقها ونجاحها في جميع ادوارها، ولهذا هي تحتار في اجابتها فيما سئلت عن مفاضلتها بينهم، فتجيبك وبابتسامة تعلوها حنان واشتياق، جميعهم اولادي.
بالحقيقة انا شاهدت جميع عروضها ومشاركاتها المسرحية، ولا سيما في البيك والسائق مع الفنان المرحوم المعد والممثل والخرج قاسم محمد ومن اخراج المرحوم الاستاذ ابراهيم جلال، لقد جسدت شخصيتها المسرحية في منتهى التالق والابداع، وهي تطبق حركات ابراهيم جلال الجريئة، ولا سيما في حركة اصبعها وهي تتذوق اللبن ان كان حامظا او طبيعي، بحركة مرنة اضافت لها معنا رمزيا وتعبيريا ضحك لها الجمهور وبقي يصفق لها تصفيقا طويلا معبرا عن اعجابه بهذه الفنانة المبدعة والجريئة بتادية اية حركة تؤمن بها على المسرح، ولقد جاء نجاحها هذا في هذا العرض لكونها كانت مفعمة بحب مسرح برشت، ومؤمنة بمدرسته، ولهذا في ادائها لم تكن سوى نجمة لامعة اجتازت كبار نجومات المسرح العالمي منهن:
الالمانية انت فليشر، انجيلا وفكار، والروسية انا تشيكبو فسكايا، والانكليزية والتي نالت لقب سيدة الصليب الاحمر الفنانة الين ثيري.
وانا حينما استعرض حياة هذه الفنانة المبدعة، قد يؤسفني انها تعيش الامها في شمال العراق، وبعيدة عن مطار انطلاقها الابداعي من على مسارح بغداد، انا لا اقول انها تعيش الغربة، وانما للحقيقة المؤسفة هذا هو واقع الفنان العراقي، يحاول البحث عن الامان والاستقرار، ولهذا يضطر الى ترك والوطن ويعيش في المهجر كما فعلها كبار فنانينا من امثال الفنان المرحوم خليل شوقي وعائلته، وكارلو هارتيون وعما نوئيل رسام، وعماد بدن وبهجت الجبوري وكنعان علي، وغازي الكناني، واخرون منتشرون في ارجاء الوطن العربي، والبقية الباقية من الفنانين والذي لا يستطيعون الا تنفس هواء العراق العظيم، لذا يلجأ الى الملاذ الامن في ربوع شمالنا الحبيب، وكما كان الحال مع استاذنا المرحوم بدري حسون فريد، وكذا الحال مع فنانتنا فنانة الشعب سليمة خضير.
ستبقى هذه الفنانة الرائدة سليمة خضير سيدة المسرح العراقي والعربي نجمة متلئلئة في سماء المسرح الاكاديمي العراقي والعربي--
والى الابد.