هبت نسائم بغداد الحبيبة، وتراقصت اغصان اشجارها، مستبشرة بولادة من سيعزف على اوتار الابداع والتالق في مسيرة حافلة بالعطاء المثمر، ليضيف الى ما بدأه الرواد الاذاعيين في اذاعتي بغداد وصوت الجماهير من تجارب حافلة بالنجاحات ابهرت المعجبين وزادت من اعجاب النقاد ممن يهتمون بالاعلام ووسائله المسموعة والمرئية والمقروءة.
لقد تاثر علاء محسن حاله حال اي طفل يانع بما يشاهده من الافلام السينمائية العربية والعالمية، وبما كان يسمع عبر اذاعة بغداد من البرامج والتمثيليات الاذاعية والاغاني العراقية والعربية، فكانت هذه جميعها تترعرع في خياله الخصب ليسبح في اجوائها وهو مستمتعا بما يسمع، ليكون لديه خزين من تراكمات الخيال من فنون الموسيقى وايقاعاتها، وكذالك من مسامع التمثيليات الاذاعية، لتتجمع لديه فكرة اولية عما يسمع ليحللها وفق ابعاد خياله الفتي الصغير، وهو في هذا لا يعلم بانه يبني لمستقبله معينا لا ينضب من الابداعات والقدرات الابتكارية في مسيرة الاذاعة العراقية.
لقد دخل علاء محسن عالم الاطفال ونشأ وبمراحل تمهيدية لبناء صرح اعلامي زاخر من هذا العالم الطفولي والمبني على التلقائية الفطرية بمحبة عبر عنها ضمن مراحله المتقدمة وهو يتعايش مع بقية الاطفال والذين اكتسبوا خبرة وثقافة وتجربة من خلال رواد الاذاعة انذاك منهم الاستاذ المخرج طالب السعد (ابو فتحي) وكذالك المرحوم الراحل عمو زكي، وسعيد شابو، ونجم عبدالله القيسي، والمرحوم حسين قدوري.
وكان بمعيته نخبة من الاطفال والذين جلبتهم رياح اثير الاذاعة وبرامجها الاعلامية، لينخرطوا مع علاء محسن الطفل ورفاقه منهم فائز جواد، وناظم فالح، وحسن علي الدبو، وماجد عبد الحق-- الخ، فاستطاعوا في فترة السبعينيات والثمانينيات ومن خلال خبرتهم وثقافتهم التي اكتسبوها من ماضي مسيرتهم الاعلامية ان يعززوا مسيرتهم بالعديد من البرامج المنوعة، وان تزدهر مسيرتهم بازهار عطرت اريجها اذاعتي بغداد وصوت الجماهير ببرامج مازالت عالقة في ذاكرة اذهان المستمعين.
وينفرد هذا الاعلامي الغريد علاء محسن بمسيرته المتواصلة مع المتلقي، وبالرغم من المعوقات والحواجز التي صادفته في طريق بناء مسيرته الاعلامية، انما حبه للاعلام ولحرفيته المبنية على الخبرة والتجربة جعلته يجتازها وبكل جراة وجدارة، وان يلمع نجمه من بين نجوم معدي البرامج المنوعة ومخرجيها ،كان يخطو بخطوات مبنية على الثقة وعلى الاعتداد بالنفس، وذلك لامتلائه القدرةعلى المحاورة والمجابهة ومن دون اي تحسس للذين يحاورهم، ولهذا نجح في الوصول الى محاورة الكبار من المسؤولين في الدولة، ونقل معانات المواطنين من ذوي المعاملات المستعصية والذين كانوا يلجؤون اليه ومن خلال برامجه الاذاعية للاستنجاد به لمساعدتهم على توصيل اصواتهم وشكاويهم الى المسؤولين، وحل مشاكلهم بمسعى من هذا الاعلامي علاء محسن، والذي كان لتدخله مجازفة في بعض الاحيان في وظيفته ومن خلال امتعاض بعض كبار المسؤولين في الدولة منه، انما حبه للجماهير ولا سيما المستمعين الذين يكنون له الحب والاحترام، جعله يسترخص حياته من اجل تقديم خدماته الاعلامية لحل مشاكلهم المتعلقة لدى دوائر الدولة ومن خلال برامجه التلفزيونية والاذاعية ولا سيما برنامج ستوديو عشرة الجماهيري.
انه حريص على مصلحة المواطنين قبل حرصه على مصلحته، ولهذا اتجه العديد من المستمعين ممن لديهم متعلقات لمعاملاتهم الرسمية لدى دوائر الدولة، بالمبادرة للاتصال به لطلب مساعته لحل اشكالات عرقلتها من خلال روتين الدوائر المنهكة لكاهل المواطن العراقي، ولهذا اصبح اسم علاء محسن ملاك انقاذ ومساعد لجميع المواطنين في حل مشاكلهم مع دوائر الدولة وتسهيل امر انهائها .
انه انساني قبل ان يكون اعلاميا، يميل الى التعاطف مع ابناء شعبه في برامجه، يحمل هموم شعبه متدخلا لتسهيل حلها، مما يضطر في معظم الاحيان الى التدخل وبالرغم من الحواجز والمعوقات والتي كانت تعترض طريقه، الا ان حبه للانسان ولقضيته جعل من نفسه فداء من اجل اسعاد ابناء وطنه العراق، ولهذا نال اعجاب المستمعين والمشاهدين معا اضافة الى ان اسمه اصبح مثار اهتمام معظم المسؤولين من مسؤولي الدولة ولا سيما ممن لهم العلاقة في الدوائر الخدمية مع المواطنين، فاصبحوا يتهيبون في مقابلته لهم ، وياخذون مايطرحه عليهم على محمل الجد والاهتمام، والاسراع في تسهيل حل اية مشكلة يعرضها هذا الاعلامي الناجح والمقتدر والشجاع علاء محسن، هو يعول نجاحه هذا على ايمانه بالعمل الاعلامي على انه منبر مقدس ومكرس لخدمة المواطنين، ولا سيما المستمعين والمتلهفين لسماع برامجه الاذاعية.
لقد اكتسب هذا الاعلامي شعبية جماهيرية وانت تشاهده حين ذهابه وايابه من الاذاعة، يستوقفه العديد من المواطنين ليطرحون عليه مشاكلهم، فحيثما تشاهد جمهرة حاشدة حول شخص ما، يخالك للوهلة الاولى انه احد المسؤولين يتفقد ابناء شعبه، الا انه بعد ذالك يتبين فيما بعد ان هذا الشخص هو علاء محسن الذي استوقفه لفيف من المواطنين ليستلم منهم عرائضهم ويقرئها من خلال برامجه وبالاخص برنامج ستوديو عشرة والذي اصبح ملكا للجماهير ومنقذا لهم من بعض الاشكالات مع دوائر الدولة في العراق .
هكذا ترجم علاء محسن خطه الاعلامي، بالعمل الجدي والصادق بعلاقته مع الجماهير المحتشدة في طريقه الى الاذاعة، لايجاد متنفسا لانقاذهم من معاناتهم مع روتين الدوائر الرسمية وتقديم الحلول المريحة لهذه الجماهير المتطلعة اليه اخا وحبيبا ومنقذا لمعاناتهم، اصبح رسولا انسانيا وابن المجتمع المتطلع اليه بنظرة اعجاب، ولهذا اصبح من مسؤوليته الاعلامية خدمة الجماهير والوفاء لهم والاخلاص في تحديد علاقته معهم، بعلاقة فيها من الصدق والمحبة لهم، يحملها من خلال مشاعره الانسانية واحساسه النبيل لانتمائيته للعراق العظيم.
لقد بدأ حبه للاعلام منذ طفولته، حينما كان يسجل صوته في مسجلات الكاسيت والتي تمتلكها عائلته، مقلدا بصوته اصوات المذيعين في تقديم برامجهم الاذاعية، ومن خلال ملاحظات اهله وذويه وتشجيعهم له، قدموه للمسؤولين في الاذاعة، ولا سيما في برامج الاطفال، والذين استقبلوه بالترحاب والدعم والتشجيع، ولا سيما المخرجة الاذاعية القديرة جنان عبد الحميد، فبعد الاختبار التمهيدي ومع بقية الاطفال المتقدمين للعمل في برامج الاطفال منهم:
ناظم فالح، وماجد عبد الحق، وشقيقه حيدر عبد الحق، وبلقيس فالح، وحنان عبد الرحمن، وسحر واخلاص، وعلاء مكي.
هذه المجموعة من الاطفال والبالغ عددهم 67 طفلا عملوا في برامج الاطفال مع المخرج العراقي روميو يوسف، والاستاذ طالب السعد (ابو فتحي)، وكذلك المرحوم الراحل الاستاذ عمو زكي، والمرحوم حسين قدوري، والفنان نجم عبدالله القيسي، فلقد اهتم هؤلاء الرواد اللامعين بهذا الرعيل من الاطفال في قسم برامج الاطفال، وكذالك في قسم الموسيقى وباشراف الاستاذ الموسيقار سعيد شابو والذي اشرف على تنمية مواهبهم الموسيقية، واكتشاف اصوات جيدة امتازت بالموهبة والاداء في الاناشيد الوطنية والتربوية للاطفال.
لكثرة عدد الاطفال والذي استوعبهم قسم الاطفال، يذكر علاء محسن في احد لقائاته التلقزيونية، ان القسم اوجد اقسام اخرى للاطفال، منها قسم الكورال، وقسم التمثيل، اضافة الى مقدمي ومقدمات برامج الاطفال، والذين امتازوا وابدعوا بتقديمهم البرامج ذات الاختصاص في عالم الاطفال مع المخرج محمد عطا سعيد.
هكذا نمت مواهب علاء محسن واكتسب ثقافة اعلامية من خلال ستوديوهات الاذاعة والتلفزيون ومن خلال توجيهات مخرجين رواد استطاعوا ان يقدمون للمستقبل الاذاعي جيلا من الاعلاميين لهم من اهداف التغيير والتطوير للبرامج الاذاعية من امثال علاء محسن وناظم فالح وفائز جواد، وسعيهم في ايجاد برامج تعتمد الاساليب الاكاديمية في الاعداد والاخراج، وانتقاء اصوات جميلة ورعايتها الرعاية المعنوية، واضفاء لها حالة من الابداع والتالق، ومن خلال توجيهاتهم في كيفية التعامل مع المايكرفون الاذاعي.
علاء محسن اجتهد وسعى من اجل ان يصل الى المركز المرموق بعمله الاذاعي، منافسا اخوته من المخرجين الشباب، فكانت حصيلة هذه المنافسة تشكيل رعيل من المخرجين المبدعين في الاخراج الاذاعي ومنهم علاء محسن، والذين امتازت برامجهم بجودة مضامينها وزوايا فقراتها المنوعة، انما علاء محسن اجتازهم الى مرتبة الاعداد والتقديم، ولهذا استعان بمؤهلاته الاخراجية مسؤولوا اذاعة الشباب في وقتها، وكذالك استعانوا بمؤهلات المخرج فائز جواد، انما لانتهاء مهمتهم في هذه الاذاعة، عادوا ليستمروا فرسانا للمايكرفون الاذاعي في اذاعتي بغداد وصوت الجماهير.
يبقى علاء محسن منظرا لافاق المستقبل الاذاعي المتجدد والهادف الى التطوير باساليب حديثة ومتماشية مع الذوق العام للمتلقي-- انه مخرجا ومعدا ومقدما-- يكفي انه مؤسس برنامج ستوديو عشرة الجماهيري والذي يعتبر النافذة التي تطل على هموم ومعانات المواطنين، ويبقى علاء محسن الصوت والذي لا ينقطع من اجل خدمة الجماهير وخدمة الرسالة الاعلامية المقدسة.