أ – الرياضة المسرحية ب-الاسترخاء والتركيز ت- تحرير المشاعر والاحاسيس الداخلية ث- مرونة الجسم وتربية العظلات الجسدية لنظارة الجسد
ج- الصوت في الابتكار والصامت
في بداية حياتنا الدراسية في معهد الفنون الجميلة ،ونحن طلبة في الصفوف الاولية لدينا شعور بالعظمة وتكامل الشخصية، والاعتزاز بقيمة ماكنا نملك من الثقافة البسيطة، انما في اعتقادنا انها كانت ثقافة عالية ومتكاملة الابعاد، جعلتنا نقارن انفسنا باساتذة المعهد من الرواد، وحتى البعض منا كان يقلد الاستاذ الذي تاثر به بحركاته، ومشيته، واسلوب كلامه، وطريقة شرح ماعنده من المحاضرات، وحتى في توجيه البعض منا، كنا نتخيل اساتذتنا من الذين تاثرنا بهم واثروا بنا، لنحاكيهم بالاسلوب المعروف عنهم في طريقة القاء محاضراتهم وملاحظاتهم، او حتى اسلوب كلامهم واحاديثهم مع الاخرين، بحيث كنا نتلفظ نفس مفردات كلامهم والذي تميزهم عن بقية زملائهم من الاساتذة الرواد، مقلدين بهذه المفردات طريقة نطقها وبالحركات التي تميزوا بها.
وهكذا هو الحال في عملية التاثر والتاثير في تكوين الشخصية لكل فرد كما شرحتها على صفحات صحيفتنا الغراء في اعداد سابقة، انما المهم والاهم في هذا الاستهلال، وقبل الدخول الى محاضرات اساتذتنا الاجلاء والتي كنا يومها نستهين بها ومن دون ان نعلم بأن مثل هذه المحاضرات سيكون لها شأنا في مسيرة وتاريخ المسرح العالمي والعربي.
كان يومذاك الممثل القدير الفنان الرائد المرحوم الاستاذ حامد الاطرقجي يأتينا في محاضرات (الصامت والابتكار ) هذه المحاضرات لم نكن نعطي لها اهتماما بقدر ماكنا نستخف بها، انما فيما بعد اصبحت سمة من سمات المسرح الحديث، ولا سيما فن (الصامت) والذي يدخل في لغة التعبيرانه اسلوب فيه من الحداثة في عملية التوصيل للمتلقي اسمه فن (البانتومايم) هذا الفن لم يلغي نطق الكلمة وانما بقي نطقها صامت، والتعبير عن هذه اللغة الناطقة بالدلالات الرمزية والتعبيرية عن طريق جسد الممثل مستغلا جسده للتعبير عن هذه الدلالات من راسه وحتى اخمص قدميه (الرأس والعنق والاطراف العليا والسفلى وحتى عظلات البطن والورك والارداف) حيث يبدأ الممثل الجيد في هذا المسرح بتحرير افعاله الداخلية نتيجة لرد فعل معاكس، وعن طريق عملية التوصيل الذي هو الجسد (الوجه، وفيه الجبين والعينين والانف وارنبة الاذن وتجاعيد الوجنتين، ومن ثم الاطراف العليا والسفلى وملحقاتهما من الاصابع ) في هذا المسرح يستغل الممثل جسده المرن للتعبير عن الاحاسيس الداخلية من الافعال وردودها الانعكاسية وبواسطة ادواته التعبيرية (الجسد وبكل مافيه من ملحقاته الطبيعية)، وكل حركة من حركات جسده لها دلالات تعبيرية ورمزية، والتي تاتي كردود افعال انعكاسية يحررها الممثل من الداخل لتصل الى المتلقي وعن طريق اداة التوصيل وكما ذكرنا هو الوجه.
نأتي على القسم الاخر من الجسد الا وهي الاطراف العليا والسفلى وملحقاتهما من الاصابع، ولهذه الاطراف (العليا والسفلى) ايضا لها وظيفتها في تجسيد الدلالات الرمزية والتي يترجمها الممثل بواسطة زنديه وساعديه واصابع كفيه وحتى الاظافر الطويلة (في بعض الاحيان تكون الاظافر اصطناعية ومبالغ في طولها) هذه الاظافر بتلاحمها مع تعابير الوجه تشكل حركات تعبيرية ذات دلالات رمزية فيها من معاني التعبير مايفهمها المتلقي وبموجب قدرة الممثل على التوصيل لمعان هذ الدلالات الرمزية، وهذا النوع من التعبير هو سمة المسرح الصامت، اضافة الى هذا فنانوا الرقص الشعبي الاكاديمي في المسرح الهندي، حيث يتميز هذا الرقص بحركات فيها من جمال التعبير ودلالات الرمز والمصاحبة مع الموسيقى والايقاع، وكذالك مثل هذا الاسلوب موجود في المسرح الياباني والصيني واللذان يحاكيان المدرسة الهندية في فن التعبير باستخدامهم للجسد في عملية التوصيل للمتلقي (وقد يكونان مرتبطان بهذا الاسلوب لتقارب نوعية عبادتهما الدينية واسغلال هذه الفنون للتعبير عن طقوسهم الدينية للتقرب من الالهة) .
وهذا ايضا من مميزات فنون رقص الباليه والذي يعتمد على الجسد ومرونته وبكل ابعاد تفاصيله. اما في السينما العالمية وبداية تكوينها، فقد انتهجت التعبير الصامت في مجمل الافلام الصامتة وعن طريق رائد هذه الافلام الفنان العبقري والكوميدي الساخر (شارلي شابلن) حيث ابتكر له شخصية تميز بها عن طريق جسده وشكلها الطبيعي وملابسه التي اخذت في الشهرة ولا سيما حذائه الكبير وعصاه وقبعته وشاربه وطريقة سيره وحركات جسده والتي اصبحت سمة من سمات شهرته العالمية، كان خير نموذجا للسينما الصامتة ومثالا للممثل لمثل هذا الاسلوب في الفن الصامت.
هذا الفن الصامت والذي اشتهر بحداثة اسلوبه الفني، يومذاك كنا نتدرب على بعض التمارين الرياضية الغاية منها كانت لمرونة اجسادنا في محاضرات اسبوعية نكتسب منها تجربة وخبرة في كيفية تسخير الجسد المليىء نظارة وحيوية على المسرح، ولا سيما ان سلاح الممثل في المسرح هو صوته وجسده، انما لم نكن نعلم بأن مثل هذه التمارين سيكون لها شأنا متميزا تساعد الممثل على تهيئة الحركة الجمالية والتعبيرية في الفرجة المسرحية عند المتلقي، كنا نمارس هذه التمارين لاكتساب اجسادنا مرونة جسدية وعظلية.
كان الفنان الرائد المرحوم الاستاذ ناجي الراوي يعطي اهمية للتكنيك بدي ( الرياضة الجسدية) وممارسة هذه الرياضة بانواعها كالمبارزة بالسوف، والملاكمة والجري والهرولة والتمارين للالعاب السويدية المختلفة، كل هذا من اجل ان يكتسب الممثل جسدا فيه من المرونة مايجعله يكيف نفسه على تادية انواع الحركات الجمالية، مكيفا جسده على الشكل التي تمليه عليه شخصيته في المسرح.
قد يتسائل البعض من القراء الاعزاء وطالبي الثقافة المسرحية، لماذا التركيز على الصفوف الاولية يعني (المرحلة الاولى والثانية) في جميع بحوثي المسرحية، ومن دون ذكر الصفوف الاحقة، فالجواب اعزتي هو، في الصف الاول والثاتي هما مفتاح الباب الى عالم حرفية الثقافة العملية في دراسة علوم المسرح، وفي الوقت نفسه تجسد ايضا محصلة الثقافة المسرحية والتي اكتسيها في المراحل الاولى والثانية ليطبقها في المراحل اللاحقة من دراسته، واما في الصفوف الشبه المنتهية فيليها مرحلة البحث والتقصي، ومن ثم التطبيق العملي في المرحلة الخامسة، مرحلة التخرج، ولهذا انا اركز دائما في بحوثي المسرحية وشرح ابعاد ثقافتها من خلال المرحلة الاولى والثانية لانها المراحل التي يكتسب منها الطالب الثقافة النظرية للفنون المسرحية.
تمارين الرياضة المسرحية ( التكنيك بدي)
اولا – تحريك الجسد مع الموسيقى الايقاعية، ولمدة غير قصيرة اي تتراوح من الخمسة دقائق والى الخمسة عشر دقيقة، قبل البدء بالتمارين المسرحية، وهذه التمارين تشمل الرأس والرقبة والاطراف السفلى والعليا، والخصر، لتساعده على اكتساب جسد مرن، لتظيف اليه نظارة وجمالية تعزز من حضوره المسرحي كممثل وشد متابعة المتلقي اليه وهو على المسرح.
ثانيا – الهرولة والسير السريع في الهواء الطلق، ولا سيما في الفترات الصباحية ومصاحبا مع سيره الاستماع الى الموسيقى الايقاعية، هذا التمرين يساعد الممثل على تنشيط الدورة الدموية وعلى منح الممثل جسدا جميلا ومتناسقا.
ثالثا – يتجنب الرياضة القاسية، لئلا يصاب المتدرب بتمزق عظلي.
رابعا – اضافة الى كل هذا، فان التمارين السويدية ، هي من الاساسيات التي يجب على الممثل المسرحي اعتمادها في كل يوم وقبل صعوده على خشبة المسرح، لتساعده على التحفيز لاداء حركات جسدية فيها شيئا من عنصر الجمال والنظارة الجسدية.
خامسا – رياضة العينين، بتوجيهها الى جميع زوايا الوجه مبتدئا من اليسار والى اليمين وبالعكس.
التركيز والاسترخاء
اولا – تنمية التركيز
ثانيا – التركيز على ردود الافعال
ثالثا – التركيز على التدريب البدني (وهذا مامعمول به في مدرسة الموسيقى والبالية، وكذالك في فرق الرقص للفنون الشعبية).
اخي القارىء ، لتنمية جسد مليىء بالحيوية ورشاقة القوام، وجمالية التكوين البدني، لا يفوتنا وفي مثل هذا الشرح الاستهلالي للمسرح الارتجالي ان نسلط الاضواء على عاملين اساسيين للممثل الا وهما:
اولا – التركيز: يساعدنا على تمتين العلاقة مابين الممثل ومابين السينوغرافيا المسرحية (الديكور والانارة والموسيقى والاكسسوارات) اضافة الى التركيز على تنفيذ الحركة والانتقالات المسرحية للممثل، مع الانارة والموسيقية التصويرية، والتركيز على العلاقة مابين الشخصية وبقية الشخوص في المشهد الواحد.
ماهي العوامل والتي تساعد الممثل على التركيز
كان الاستاذ المرحوم بهنام ميخائيل استاذ التمثيل النظري والعملي في معهد الفنون الجميلة، يؤكد على بعض التمارين والتي من شأنها ان تساعدنا على استحضار الجو العام للعالم الخارجي وبما فيه وعن طريق التخيل ونحن في حالة الاسترخاء، مع موسيقة هادئة طالبا منا غمض العينين، وبصوته الجميل والدافىء ، كان يصور لنا الطبيعة وبما فيها، كأن يصور لنا اقتراب افعى سامة وهي تقترب بزحفها المخيف باتجاهنا، فاتحة فكيها للنيل منا وتفريغ سمها القاتل في اجسادنا، كل ذالك كان يصفه ومن دون ذكر الوان الافعى، وكيفية زحفها، ليجعلنا ان نستخدم خيالنا مستفيدين من التركيز السابق لمشاهداتنا الكثيرة لانواع الافاعي، وننسج في ذاكرتنا وعن طريق االتخيل منظر الافعى شكلها طولها ولونها، ونحن نسبح في عالم الخيال لاستحضار الاجواء المخيفة من خطر هذه الافعى، وعندما نفتح اعيننا ونستذكر منظرها وكل طالب وبموجب ماتخيله من هذا الاستذكار، وبتقريرخاص ندون كل مااستحضرناه من تخيلنا للافعى.
مالفائدة من هذا التمرين الانف الذكر؟
الفائدة من هذا التمرين هو تحرير ردود افعالنا الانعكاسية، نتيجة تخيلنا لتلك الافعى واستحظار وجودها مع اوصافها، وعن طريق الخيال والتخيل، والتركيز على اهم مواصفات تلك الافعى ،لتكوين الفعل الداخلي والاحاسيس من مخاطر هذه الافعى والمستحضرة صورتها عن طريق الخيال والتركيزعلى المواصفات الطبيعية لهذه الافعى وخزن هذا الاحساس بالخوف، واعتباره تجربة ذاتية مكتسبه ومختزنه لتساعدنا على استحضار هذا الفعل الداخلي في حالة مماثلة لهذا الموقف على المسرح.
كان الاستاذ بهنام ميخائيل رحمه الله، يسألك عدة اسئلة، مثلا عن الوان قميصك الذي على جسدك ومن دون النظر اليه، وانما من خلال استحضارك الوان قميصك وعن طريق التركيز الذي تملكه والالوان التي تعودت النظر اليها لدقائق معدودة ومن ثم يطلب منك ذكر الالوان، او كان يضع عدد من المواد المختلفة الاشكال والالوان ويسمح لنا بالقاء نظرة خاطفة عليها، مركزين على اشكالها ومسمياتها، ومن ثم نرفع اعيننا عنها ويطلب منا ذكر اسمائها واشكالها، ومن اجابتنا عندها كان يتعرف على قوة تركيز كل طالب من زملائنا. هذه التمارين تساعدنا على تخصيب خيالنا لتهيئته على استحضار مسميات الاشكال بالوانها واشكالها، مثل هذه التمارين كان يطبقها الاستاذ بهنام ميخائيل علينا غايته منها تقوية التركيز عند كل طالب من طلابه للاستفادة منها على المسرح- كيف؟
مثال على ذلك -- ونحن ننطق بحوارنا على المسرح، نكون في الوقت نفسه على الحركة وفي الذات نفسه على السينوغرافيا المسرحية من ديكور واكسسوارات لخلق علاقة معها، اضافة الى التركيز على الموسيقى وعلى الاضاءة ومن موقع انبعاث اشعاع حزمتها، اضافة الى كل ذالك التركيز على تحرير الافعال الداخلية كردود افعال انعكاسية من خلال استحضار العام للمكان الذي يتم فيه الفعل، ونحن في الوقت نفسه منهمكين بالتمثيل، انما جميع هذا لا يتم، ان لم نكن في حالة الاسترخاء التام .
اذن، ماهو الاسترخاء؟