كثيرا ما كنا نقرأ في تاريخ بعض الشخصيات المهمة ونطلع على سيرتهم الذاتية، وكيف ان الاقدار والظروف لعبت دورا في حياتهم ومن خلال تاثرهم بمن يحيطهم، لتختار لهم مسيرة حافلة بالشهرة جائت نتيجة سعيهم وبحوثهم وعطائهم والتي اثمرت عن نجاحاتهم وابداعاتهم. لم تكن تعلم مدينة السماوة بانها ستنجب كوكبا لامعا سيشع اسمه في مسيرة ساهم من خلالها في تطوير حركة فنية في العراق وفي الوطن العربي، ذلك الطفل الذي نشأ وترعرع في احضان والديه حينما احتضنته السماوة في يوم ميلاده عام 1928 ورسم بميلاده فرحة على وجوه والديه وعلى وجوه المقربين اليهم، كان والده موظفا ومديرا في احدى الدوائر الحكومية والذي كان خاضعا لاوامرها الادارية وبناء على مقتضيات المصلحة العامة اقتضى انتقالهم الى بغداد ليستقروا فيها وينهي دراسته ليحصل على بكالوريوس من كلية الحقوق في بغداد، انما حبه للفن وتاثره بزملاء كانوا يشاركونه التمثيل في كلية الحقوق وتشجيعهم من قبل الاستاذ ابراهيم جلال جعلهم يصقلون مواهبهم وينهون دراستهم في معهد الفنون الجميلة في بغداد، ومن ثم حصوله على دبلوم من الاكاديمية الملكية في فنون الدراما في لندن، وماجستير من جامعة أوريكون في الولايات المتحدة الامريكية، واخيرا نال شهادة الدكتوراه من جامعة بغداد في العراق. فحينما تقرأ اسم سامي عبد الحميد، يستحضرك تاريخ حافل من مسيرة فنية متالقة وغاية في الابداع، هذه المسيرة الفنية اغناها من خلال الاختبارات الذاتية واستنتاجاته من هذه الاختبارات ليكتشف في نهاية كل مرحلة من مراحل هذه التجارب ملكة فنية ورؤية غاية في الابداع والنضوج ليضخ بها اعماله المسرحية، كان يتعامل مع طلبته تعاملا يسوده شيئا من الحب والرعاية الاخوية ليكسب ودهم ويصبحوا مطواع رؤيته ليجسد من خلالهم نتائج اختباراته ورؤيته الناضجة في الكثير من الاعمال المسرحية والناجحة كمخرج يملك ادواته الحرفية وفنانا متمكنا ومخرجا استطاع انتزاع اعجاب الشريحة المثقفة من الادباء والنقاد المسرحيين، كان يهتم بتربية جسد الممثل ومرونته، اضافة الى هذا اهتمامه بالصوت والالقاء، لقد استفاد من مهنة التدريس في معهد الفنون الجميلة واكاديمية الفنون الجميلة، نتائج اختبارية من طلبة هاتين المؤسستين الفنيتين تمخضتا عن نتائج ايجابية في تثقيفهم بحرفية التمثيل ومهارة هذه الحرفة الفنية في التمثيل والصوت والالقاء والاخراج المسرحي.
اسمه كان وما زال كوكبا مابين كواكب جذور تاريخ في ريادة الحركة المسرحية اغنى بها الساحة الفنية المحلية والعربية من تجاربه زادته بريقا وشهرة بين اقرانه من الفنانين المحليين والعرب، لقد ابهرت اعماله في المحافل الفنية جميع المهتمين في المسرح ولاسيما في المهرجانات المسرحية العربية كممثل ومخرجا زادته حضورا وتالقا وابداعا.
سامي عبد الحميد مدرسة واسلوب انفرد بهما، وهذا يعود لاسباب خاصة به من اهمها اخلاصه وحبه وتقديسه للخشبة المسرحية التي احتضنته.
الذي يتعرف على اسمه ويقف امام شخصه الكريم ليتفاجأ بالخجل الذي يرتسم على وجهه ومجاملته للذين يتوددون اليه منسلخا عن الكبرياء والغرور الذي ينتاب بعض الفنانين، انما هذا الفنان القدير يذهب الى ابعد من هذا بتواضعه وحبه للفن حينما يمثل بين ايدي تلامذته من المخرجين الذين تتلمذوا على أيديه من امثال الفنان د. فاضل خليل. ود. عوني كرومي ود. كريم خنجر، صاغيا وبكل ممنونية الى الملاحظات التي يؤمن بها ويساعد في معالجة بعض الاشكالات والتي قد تعترض تلامذته في الاخراج، ويعود هذا الى قوة شخصيته وحضوره الثقافي.
بدأ سامي عبد الحميد مسيرته في المسرح يوم كان المجتمع ينظر الى المسرح على انه مدعاة للرذيلة ونظرة الناس اليه على انه مادون المستوى الاخلاقي، معاناته هي كمعاناة الفنان لقلق زاده وعميد المسرح العراقي الاستاذ المرحوم حقي الشبلي، وغيرهم من الاساتذة الرواد من المسرحيين العراقيين والذين لاقوا السخرية بحق اعمالهم من المجتمع انذاك ويتصدون لكل كلمة بذيئة يصفون بها الفنان العراقي (دنبكجي، شعار، مطيرجي، قشمر) وهناك قصة انتشرت في المجتمع العراقي انذاك اي في الاربعينيات من ذاك الزمن انه في احد الايام تعرض احد الممثلين الى المسائلة القانونية، وحين امتثاله امام القاضي ليسأله عن وظيفته فاجابه الممثل بان وظيفته ممثل، فالتفت القاضي الى الكاتب وقال له سجله شعار واسباب هذه النظرة المتدنية ابتدات في الاريعينيات وقت كان المجتمع العراقي جاهلا ومتخلف حضاريا، اي في بداية الحكم الوطني في العراق، بهذه الصفات والنعوت كانوا ينعتون بها فناني العراق والذين ضحوا بالغالي والنفيس من اجل ترسيخ اوتاد بدايته ضمن مرحلة لايعترفون بانسانية الفنانين، وحتى في المحاكم لا تقبل شهاداتهم، جائت هذه الموجة من الفنانيين المثقفين والذين ينتمون الى عوائل مرموقة وراقية من المجتمع العراقي من امثال ابراهيم جلال وجعفر السعدي ويوسف العاني وجاسم العبودي وبهنام ميخائيل وفي مقدمتهم الفنان الرائد وعميد المسرح العراقي المرحوم الاستاذ حقي الشبلي، وبعد عودتهم من الخارج تشكلت فرق مسرحية للتمثيل منها فرقة المسرح الشعبي وفرقة مسرح الفني الحديث، والفنان سامي عبد الحميد وجعفر السعدي كانوا من مؤسسي المسرح الشعبي، الا ان الفنان الرائد سامي عبد الحميد انتقل الى مسرح الفني الحديث، وبقي الفنان الرائد جعفر السعدي يدير الفرقة بعد ان استقطب اليها فنانون شباب من امثال عوني كرومي ووجدي العاني وزوجته الممثلة القديرة هناء عبد القادر ومعها شقيقتها الفنانه القديرة ماجدة السعدي زوجة الفنان الاستاذ جعفر السعدي، وهكذا بدأ التنافس الشريف بتقديم اعمالا شعبية فيها منتهى الرقي والجمال، مسرحيات غيرت نظرة المجتمع الى المسرح ومن خلال هؤلاء الرواد وتضحياتهم من اجل استقطاب جمهورا مثقفا دعم الاعمال المسرحية ومشجعا لهؤلاء الرواد الذين ساهموا بتطوير حركته ومن جملتهم الفنان الرائد سامي عبد الحميد. تاثر الفنان العملاق سامي عبد الحميد بالمدارس العالمية وبنصوص كتابها ولا سيما المسرح الواقعي والكلاسيكي، عندما اطلع على اعمال نصوص عالمية ولا سيما بعد عصر النهضة حيث برز كتاب عالميون كانت نظرتهم الى الواقع نظرة نقد ورفض، وقد انتشرت هذه النهضة من ايطاليا والى فرنسا، وحصل تغيير في نمطية العروض المسرحية بعد ظهور المدرسة الواقعية في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبالذات على يد النرويجي هنريك ابسن، وبالفعل مسرحيات ابسن وزملائه اوكست سترتبرغ السويدي الجنسية ومؤلف مسرحية الاب ومسز جوليا، (مسرحية الاب الذي كنت سعيدا بمشاهدة عرضها على مسرح السنتر في بغداد حيث اخرجها المرحوم الفنان القدير د. عوني كرومي وقد قام بتجسيد شخصية الاب)، وانطوان تشيخوف الروسي، هؤلاء الكتاب العظام اخذوا منهج تشخيص الواقع المرير بسلبلياته ومعالجتها معالجة وبموجب ماتخدم الانسان والمجتمع في ذالك الوقت، وبهذا بقي المسرح ملتصقا بالمجتمع، ومن خلال هذه الاجواء الايجابية عاشها الفنان الرائد سامي عبد الحميد بدراسة ومتاثرا بمضامين هذه النصوص وباساليب طرحها بحيث اصبح لديه رؤية واضحة وثقافة اكاديمية جعلته ان يخط له مسارا فنيا تميز به عن اقرانه ومخرجا رائدا صفقت له الجماهير العراقية وابهرت عروضه جميع المتلقين من الادباء والمثقفين والنقاد من المعنيين في الفنون المسرحية، انه لم يبدأ مقلدا، ابدا، انما بدأ حياته الفنية برؤية متفتحة واسلوب جمع فيه المذاهب والاساليب الاخراجية والتي كان يؤمن بانها ستجسد مضمون اعماله، اي المسرح الشامل، كان ينتهج الواقعية والرمزية والتجريدية، فنان عرف كيف يطوع المسرح ويكيف اعماله بطروحات سادها التجديد والحداثة في الاخراج، كان يعتني في اختيارات نصوصه، ويتفق مع مصمم الاضاءة ومصمم الملابس ويبحث معهم كيفية تنسيق الالوان مع بعضها، وحتى الماكياج كان يتدخل في تصميم ماكياج ممثليه.
وعلى صعيد التمثيل كان له حضورا مسرحيا وتلفزيونيا ومن منا لم يشاهد مسلسل النسر وعيون المدينة سنة ( 1963) وشخصية ابو عطية، في هذا العمل الرائع عزف الكاتب المبدع عادل كاظم على اوتار شخوصه سمفونية انفردت بتجسيد مضمون المسلسل، وزادها تالقا وجمالا ابداعات المخرج المرحوم ابراهيم عبد الجليل، والاستاذ سامي عبد الحميد كان احد هذه الاوتار التي عزفت كلمات عادل كاظم بحنجرته ونبرات صوته والقائه المتميز بسمفونية وملحمة لاجمل دراما للتلفزيون العراقي والذي شاركته في تمثيل هذا المسلسل زوجته الفنانه المتالقة الرائدة فوزية عارف.
اهم الافلام السينمائية التي شارك فيها هي: اولا – (من المسؤول) سنة 1906 من اخراج عبد الجبار ولي.
ثانيا – (نبوخذ نصر) سنة 1962
اخراج كامل العزاوي - اول فلم عراقي بالالوان.
ثالثا – (المنعطف) سنة 1975
اخراج جعفر علي.
رابعا – (الاسوار ) سنة 1979
اخراج محمد شكري جميل .
خامسا – (الفارس والجبل) سنة 1987
اخراج محمد شكري جميل.
المسرحيات التي شارك فيها هي:
1.(مسرحية النخلة والجيران) - للمخرج الراحل الاستاذ قاسم محمد
2.(بغداد الازل بين الجد والهزل) - للمخرج الراحل الاستاذ قاسم محمد.
3.(الانسان الطيب) - للمخرج الراحل د. عوني كرومي.
4.(قمر من دم) - للمخرج د. فاضل خليل.
5.(غربة) - للمخرج المبدع د. كريم خنجر.
سامي عبد الحميد ولقلق زاده والمؤلف عادل كاظم. قد يتبادل سؤال الى الذهن وهو، من احتضن المسرح العراقي في الاربعينيات؟ والجواب هو تبنته الاحزاب الوطنية، والرائدة في هذا التبني والاحتضان هي مدرسة التفيض الاهلية، وقد كان يقوم بالتمثيل فيها نخبة من السياسيين المرموقين، ولكن تغيرت الامور فيما بعد ظهور الملاهي في بغداد، ولا سيما ملهى الف ليلة في باب المعظم فكان في هذا الملهى الممثل الكوميدي الفنان جعفر لقلق زاده، والذي كان يقدم اسكتشات كوميدية غايتها التسلية من خلال السخرية وانتقاد الاوضاع المتدنية في المجتمع العراقي، هذه الشخصية التي لم تاخذ مكانتها الاجتماعية الحقيقية في تلك الحقبة الزمنية، حركت مشاعر واحاسيس الكاتب المبدع الاستاذ عادل كاظم بتاليف نصا مسرحيا بعنوان (نديمكم هذا المساء) تناول شخصية هذا الفنان والذي اطلق عليه بعض الممثلين في بغداد في وقتها باسم حمادي الهبش، والذي ابدع الفنان القديرسامي عبد الحميد بتجسيد شخصيته على المسرح، وقد نوه الاستاذ الكاتب عادل كاظم بانه تناول حياة هذه الشخصية بطرح رمزي، وهي شخصية تجسد بافكارها ونظرتها الساخرة للاوضاع المتردية في المجتمع، اضافة الى هذا انها رمز لكل فنان يقف بوجه السلطة وبوجه الاستبداد والاستعمار منتقدا الاوضاع المتردية.
ان مسيرة الفنان الاستاذ القدير د. سامي عبد الحميد لا تفي هذه الاسطر لتجسد مسيرته ونضاله من اجل المحافظة على قدسية المسرح العراقي ولا موقعه المتميز في مسيرة المسرح العراقي والعربي، ولا المراكز المهمة والتي تبوؤها ونال الاستحقاق على ادارة كفي المسؤولية الادارية والفنية معا، اضافة انه نال العديد من الجوائزوالاوسمة منها:
1.جائزة التتويج من مهرجان قرطاج.
2.وسام الثقافة التونسي من رئيس جمهورية تونس.
3.جائزة الابداع من وزارة الثقافة والاعلام العراقية.
4.جائزة افضل ممثل في مهرجان بغداد للمسرح العربي الاول.
هذه المسيرة الفنية والعطاء الحافل من الابداع والتالق، للاستاذ العزيز بالحق يستحق ان يكون عنوان مسيرته افضل من عنوان هذا المقال:
(علما من اعلام المسرح العراقي).