1-2
لا تستغرب عزيزي القارىء من عنوان هذا الموضوع، لانها الحقيقة التي لازمت حياة بعض الفنانين العراقيين في فترات مسيرتهم الفنية ولا سيما الرواد من فنانينا العراقيين اسوة بالفنانين العرب، والذين قاسوا الام الجوع والعطش، وارتضوا بلفة البيتنجان وصمونه وعنبه ومصرف جيب، ولهذا العنوان حكاية، وقد يتسائل البعض عن اسباب تناولي لمسيرة حياة فنانينا الرواد وتسليط الاضواء على مسيرتهم وحياتهم اليومية، انما هذا يعود كونها امانة في اعناقنا ليطلع ابنائنا على حياتهم التي عاشوها والتضحية التي بذلوها من اجل دعم المسيرة الفنية في العراق.
للحديث صلة بالفنان الرائد المخرج المرحوم ابراهيم جلال حينما حدثنا قائلا:
كنت اسير في شارع من شوارع ايطاليا في مرحلتي الدراسية ومع الاستاذ المخرج اسعد عبد الرزاق رحمه الله واسكنه فسيح جناته واذا بنا نصادف معرضا لبيع الانتيكات والتحف الاثرية ولا سيما التاريخية منها لبلدان العالم ومن جملتهم العراق الحبيب، واشد ماجلب انتباهي، مسلة حمورابي والثور المجنح واسد بابل، فاستغربت لهذا المعرض، والمفاجئة التي كانت اشد مما شاهدنا.
حينما سالنا صاحب المعرض عن هذه التحفيات العراقية، فاجابني وبثقافة عالية وهو يسرد لي تاريخ هذه التحف العراقية في الوقت الذي انا ابن العراق ليس لدي معرفة كمعرفته بها واخذ يشرحها لنا وبتفاصيلها الغير الممل، مما زاد شوقي بالتعرف على تاريخها والافتخار بها، وهذا الحديث مازال للاستاذ ابراهيم جلال حيث استمر في حديثه قائلا:
ولهذا صممت بعد عودتي العراق العراق ان اكرس نفسي بتناول كل مايتعلق بتاريخ وطني وتاريخ مسيرته الثقافية والفنية والاعلامية، ودعمها مما عندي من الامكانيات لخدمة هذه المسيرة والى هنا انتهى حديث الاستاذ ابراهيم جلال.
وانا ايضا كما تاثر الاستاذ المرحوم ابرهيم جلال بتاريخ حضارتنا وثقافتنا، فبدوري تاثرت انا ايضا بسيرة هؤلاء الرواد وبدأت انتهج في حياتي الاعلامية منهجا اخدمهم بتسليط الاضواء على تاريخهم الحافل بالمعانات والانشطة الفنية، فاكون بهذا قد اسديت جزءا من الوفاء لهؤلاء الرواد بتسليط الاضواء على مسيرتهم الفنية في العراق.
ان الكثير من فنانينا العراقيين ولا سيما الكوميديين منهم، قد رسموا في اعمالهم الفنية، البسمة واشاعوا البهجة في نفوس عشاقهم، الا انهم قاسوا مرارة الحياة وماسي ماتمخضت عن مسيرتهم من تضحيات ادت الى اصابتهم بازمات نفسية وامراض مزمنة عانوا منها فترة من الزمن مما اودت بالكثير منهم الى حتفهم الاخير انما لم تنمحي نجوميتهم من اذهان عشاقهم والمعجبين بفنهم ومنهم الفنان الراحل رضى الشاطى.
هذا الفنان العراقي الاصيل والذي رسم البسمة على وجوه العراقيين، انما الظروف الحياتية والاجتماعية التي عاشها لم تخدمه وعائلته، ولهذا عز عليه الرحيل والهجرة الى عالم الغربة وترك الوطن بذكرياته الجميلة وبفنه الاصيل الا ان الحرمان وقساوة العيش فيه اظطرته ان يفكر بالرحيل كما فعلها الكثير من قبله، فاستقروا في المهجر حيث افترشوا تراب الغربة والرحيل الى مثواهم الاخير ومنهم هذا الفنان المتالق والمبدع رضا الشاطى.
انه فنان بمعنى الكلمة، كان يضحكني حينما كان يناديني ويلفظ اسمي جوزيف وبتضخيم حرف الواو، فحينما كنت اسمعه وهو يلفظ اسمي استغرق في الضحك على كيفية لفظ اسمي ومن ثم كنت استودعه.
كانت تربطني به علاقة اعجاب ليس الا، وكما استهواني تمثيله الطبيعي والمتميز بالاسترخاء، وتجسيد الشخصيات الواقعية الشعبية، كذالك استهواني الكثير من الفنانين العراقيين من الرواد، امثال الفنان المرحوم سليم البصري والفنان خليل الرفاعي وحامد الاطرقجي وحميد المحل والحاج ناجي الراوي. ولهذا اليت على نفسي ان اتناول مدرسة هؤلاء العظام من فنانينا الرواد، ومنهم الفنان الكوميدي رضا الشاطى.
بحثت في المصادر الاعلامية الموثقة عن مسيرة هذا الفنان والذي ولد في الكاظمية سنة 1924 وترعرع في اجوائها الدينية والشعبية، يتيم الام ، حيث عاش طفولته محروما من عطف وحنان الام ، وبعد مضي عشرة سنوات من عمره توفي والده ولم يبقى من يحتضته ويرعاه سوى دار الايتام.
لقد احب ومنذ صغره قراءة الاشعار وحفظ القصائد، والاطلاع على بعض الروايات الادبية مما ولدت لديه حبا للثقافة والادب وبلاغة التعبير الادبي، والمشاركة في بعض الانشطة الثقافية والفنية في صغره، فاكتسب ملكة الكتابة، فظهرت موهبته في تاليف القصائد الشعرية، حيث تؤكد المصادر انه في سنة 1936 برز نشاطه الفني في المدرسة الخيرية الاسلامية التي درس فيها.
وبعد ان سمحت له الظروف تزوج فكانت ثمرة هذا الزواج ثلاث بنات وثلاثة اطفال، الا انه عاش حالة الفقر والبؤس حيث ساقته الظروف ليعمل كاتب عرائض في احدى المحاكم في بغداد، وبحكم هذه المهنه اصبح لديه الاطلاع على الكثير من معاناة ومشاكل العوائل التي كانت تستعين به لكتابة عرائضهم، حيث ساعدته هذه المهنة على تجسد الكثير من المشاكل الاجتماعية في برنامج كوميدي تلفزيوني بعنوان (العرضحالجي)، هذا البرنامج نال صدى واسعا بين عامة الناس وشهرة قوية جعلته يسلب اعجاب المشاهدين ولا سيما من خلال صوته الذي تميز بشخصية ابو محمد العرضحالجي.
حيث استعرض من خلال هذا البرنامج اهم المشاكل الاجتماعية ونقدها ومعالجتها من خلال الاستعانة بمعارفه من رجال المحامات والقانون في المحاكم.
وهكذا نال هذا البرنامج شهرة واسعة جعلت مشاهدي تلفزيون بغداد يترقبون بثه، فمن خلاله اشتهر واصبح من النجوم الكوميدية للدراما العراقية، هذه النجومية مهدت له طريق الشهرة والارتقاء الى مصاف النجوم الكوميدية العراقية، حيث التفت اليه المنتجيين السينمائيين والمخرجين العراقيين لاشراكه في معظم اعمالهم الفنية.
ضاقت به سبل العيش وعانى الحرمان في هذه المرحلة من حياته وحياة اسرته مما دفعته الى الهجرة خارج العراق وطلب اللجوء الانساني الى السويد، وهنا كانت محطته الاخيرة من حياته الفنية في ستوكهولم، حيث وافته المنية عن عمر 89 عاما، وهكذا غابت عن اسماعنا تلك النبرة المتميزة والتي ميزت ابو محمد العرضحالجي عن بقية الشخصيات الفنية في الدراما التلفزيونية والسينمائية، هذه الشخصية الجميلة والتي عرفت كيف تبهر الناس وتدخل الى قلوبها من خلال الشاشة الصغيرة والتي اصبح لها شأنا واسعا وشهرة واسعة بين نجوم الممثلين الكوميديين العراقيين.
تابعونا مع المخرج الفنان جوزيف الفارس..