لو عدنا وتاملنا المتغيرات التي طرأت على مسيرة العديد من مسارح العالم، اي لو حاولنا مراجعة تجارب المسرحيين ومسيرتهم الفنية، لعلمنا ان هناك العديد من المتغيرات الحاصلة على حياة شعوبهم ومجتمعاتهم والتي ادت الى هدم البنية التحتية والتاخر الثقافي والعلمي والتي خلفتها الحروب من الدمار والخراب، حيث دمرت كل بناء ثقافي وحضاري بناها ذالك المجتمع، سيماوان الحياة الاجتماعية وكما نعلم ان لها علاقة مباشرة بالاستقرار ، وهذا الاستقرار الذي يتمتع به اي مجتمع له علاقة مباشرة بالحياة الدينية والسياسية والاقتصادية، وبموجب هذه المؤثرات تتفاعل مقومات وعناصر الحياة الثقافية بين ابناء المجتمع الواحد، ومن هنا تبدأ مرحلة جديدة في البناء الثقافي والاقتصادي والفني والعلمي، فالحروب والويلات والماسي والنكبات هي عدوة لاستقرار اي مجتمع يتطلع الى بناء حياته، والصراع من اجل البقاء، وهذا البقاء لا يمكن ان يتطلع اليه افراد المجتمع ان لم يكن فيه شيئا من الطموح لاجل اسعاد افراد المجتمع وتقويم البنية التحتية على اسس علمية ثابتة ونظرية تنتج عن افتراضيات اصحابها نتائج ايجابية هي في الوقت نفسه نتائج تجاربهم والتي يبنون عليها نظرياتهم من اجل البرهنة على انها نتائج تؤدي بهم الى الاستقرار والسلام يعتمدها المجتمع لتعزيز استقراره من بناء الحياة المستقبلية.
فلو بحثنا في ماضي هذه الشعوب وتمعنا في مجمل الحياة الثقافية ماقبل وقوع الويلات والكوارث على مجتمعهم، مقارنين اوضاعهم اللاحقة من تاريخ حياتهم، لشاهدنا ان هناك مقارنات مابين الماضي والحاضر تتاثر وبموجب الاحداث الطارئة التي تطرأ على حياتهم الاجتماعية واليومية والتي تدفع بالفرد الى ان يفكر تفكيرا فرديا للمحاولة في معالجة الامور بشتى السبل ولا سيما الحياة السياسية والمرتبطة بالحياة الثقافية والاقتصادية.
الظروف المتدهوره التي لاحقت العراق وشعبه في ظروف حياته السياسية والاقتصادية وتاثيرات هذه الظروف على الحركة الثقافية والفنية وبناء البنية التحتية للشعب العراقي
لنتناول مرحلة الحرب العراقية الايرانية، وندع ظروف الانقلابات العسكرية التي مرت على العراق ماقبل هذه الحرب، وكذالك ظروف تحركات الجيش العراقي في شمال الوطن وانشغاله في معارك ضد رغبة الشعب الكردي في استقلالية ادارة شؤونه في ظل مركزية الحكومة العراقية في بغداد، هذه الظروف المأساوية كان لها الاثر السلبي على تقدم النهضة الاقتصادية والسياسية والثقافية والفنية بالذات، حيث تمخضت هذه الظروف، عن عدم استقرار اقتصادي جيد، وسوء مسيرة الحياة الثقافية والعلمية والفنية وسبل تطورها مما ادت ايضا الى حالات تعيسة مأساوية كانت السبب في عدم استقرار حياة الشعب اليومية ولا سيما في بغداد وبقية محافظات القطر، هذه الظروف ادت الى رداءة الاوضاع الاقتصادية من تدهور اوضاع الشركات وتوقف المصانع الانتاجية، وتدهور الاوضاع الصحية من نقص الدواء وسوء معاملة المرضى في داخل المستشفيات الحكومية، اضافة الى هدر الاموال وعائدات النفط على التسلح والاسراف في تكاليف التصنيع العسكري مما ادت هذه الحالة الى تدهور الاوضاع الاقتصادية وسوء احوال الشعب المعاشية وصعوبة حصوله على الغذاء والادوية اللازمة مما اثرت هذه الاوضاع على حالة بعض المثقفين من اصحابي الكفاءات الثقافية والعلمية، مما دفعتهم الى الهجرة خارج الوطن، اضافة الى هذا ان جميع هذه النتائج السلبية من الاوضاع السياسية والاقتصادية ادت الى ظهور تيارين من الانشطة الفنية، التيار العلني والذي يمثل شريحة من النفوس الضعيفة كرست الفن لمصالحها الخاصة، حيث ظهرت هذه الفئة من المحسوبين على الفن وعملت على تشجبع المسرح التجاري، هذا المسرح المبتذل والغير الملتزم بقضايا الجماهير، والذي ساعدعلى ظهور حركة من كتاب النصوص المسرحية تضمنت انتاجاتهم من السفاسف والظواهر المبتذلة من الغناء الرخيص واستعراض الرقصات ذات الارداف المليئة والدسمة، والسيقان العارية وهز الاكتاف على صوت الايقاعات المليئة من الصخب والضوضاء وخالية من الذوق والحس الفني، كان الهدف من هذه العروض جني الاموال من شباك التذاكر، ولهذا سمي هذا المسرح بالمسرح التجاري، والذي اقتصرت عروضه على الهزل الرخيص واستجداء الضحك من الجمهورمن خلال حركات ليس فيها شيئا من جمال العرض ولاهي تتبع لمقومات وعناصر العرض الاكاديمي للمسرح.
ومن خلال هذه الظروف القاسية جائت نتائجها وخيمة دمرت كل مابناه الرواد من نشطاء الحركة الثقافية والفنية، هذه الظاهرة ادت الى تاخير تطور مجتمعنا وكذالك الى حالة من حالات الانحطاط في البنية التحتية وتدهور في الحياة الاقتصادية والثقافية وركود في الحياة السياسية، وشمل هذا التاثير حياة بعض المثقفين مما اثرت على حالتهم النفسية والفكرية وردود افعال انعكاسية بانبثاق وجهات نظر نسبية لكل فرد من هؤلاء المثقفين وبقدر تاثراتهم بالاوضاع الجديدة وما تمخضت عنها من ردود افعال انعكاسية، ونظرة كل منهم الى الواقع الجديد مابعد الحرب ومقارنتها مع الماضي، اي مع ماقبل الحرب، وقد يصل به في معظم الاحيان الى حد اليأس لتؤثر على حجم اندفاعه ورغبته في عملية التغيير والتطوير حينما ينصدم بالواقع المرير التي خلفته هذه الحروب.
ولهذا ومن خلال هذا التاثر بالاوضاع الجديدة والتي لا يتمناها اي انسان، انولدت لديه رغبة بالانكماش والتعقيد، وعلى ضوء هذه المستجدات نجد ان هناك بالمقابل نموا لحركة ثقافية وفنية تتسم بالتمرد والثورة على الاوضاع الجديدة والمتاثرة بويلات الحرب والدمار. وحتما على ضوء هذه الاوضاع الجديدة والمتردية، وعلى ضوء الامكانيات البسيطة المتوفرة بين ايديهم قد لا تساعدهم على محاولة البناء من جديد وعلى ضوء الاحوال المتدنية والتي اصابت المجتمع، ولان تفاصيل الحياة الاجتماعية منها الثقافية والسياسية والدينية والاقتصادية تاثرت بهذه الاحداث ومن هنا بدأت معانات هؤلاء المثقفين والفنانين ولاسيما من الشباب والذين انصب هدفهم على انقاذ ماتبقى من اثار الماضي من الرقي والحياة الثقافية، الا ان هذا لم يجدي نفعا وعلى المدى القصير بسبب المعالجات اللاحقة كانت تجربتها فقيرة ومعتمدة على الامكانيات البسيطة، لخلو هذه المرحلة من اصحابي العقول والافكار المتالقة والمبدعة والتي ساهمت في عملية بناء المرحلة السابقة ولاسباب منها: هجرتهم الى خارج اوطانهم، وبهذا التهجير قطعت اوصال جذور امتدت من تاريخ عريق اعتمد التجربة الناضجة والتي كانت مبنية على اختبارات ذاتية وثقافة عالية اكتسبها المعنيون بالفنون المسرحية من كتاب ومخرجين ومن خلال تجربة اغنت هذه المسيرة بنشاط متطورمبني على الامكانيات من التكنيك الراقي والثقافة التي مكنتهم من تقديم اعمال مسرحية ابهرت جمهورها ومثقفيها قبل امتداد الية الحرب وكوارثها من الدمار لتؤثر على استمرار نشاطهم وعطائهم.
يتبع رجاء