كنت قفد نشرت مقالاً عن اختطاف المناضل المدني والديمقراطي السيد علي الذبحاوي على صفحات جريدة العالم، وقدرت إن العناصر التي اختطفته مناهضة للحراك المدني الشعبي والتغيير الديمقراطي التي تطالب بها القوى المدنية والشعبية الواسعة، إضافة إلى قوى التيار الصدري ومرجعية السيد على السيستاني، بالخطوط العامة للتغيير، وخاصة مكافحة الفساد في الدولة العراقية الهشة وسلطاتها الثلاث الفاسدة والفاقدة للاستقلال والسيادة الوطنية والخاضعة للسياسة الإيرانية، والتخلص من النظام الطائفي ومحاصصاته المذلة للشعب، وتقديم المسؤولين عن اجتياح العراق واحتلاله من عصابات داعش إلى المحاكمة لينالوا العقاب الصارم.
كما يطالب المتظاهرون منذ سنوات بتنظيف القضاء العراقي والادعاء العام من الفاسدين والمفسدين، الذين تركوا للسلطة التنفيذية أن تفعل ما تشاء في فترة حكم رئيس الوزراء السابق بعيداً عن الشرعية الدستورية والقوانين العراقية واعتماداً على قوانين أصدرها صدام حسين واستفاد منها المستبد بأمره حتى الآن نوري المالكي، وهذا يعني باختصار إن القضاء العراقي في الجوهر ما يزال باق كما كان عليه القضاء في زمن الدكتاتور صدام حسين. فواضع الكثير من قوانين صدام حسين، قوانين قراقوش والعفترة، هو الآن رئيس القضاء الأعلى بالعراق.
وعلى أثر تزايد عمليات الاختطاف ببغداد والبصرة، يقال إن العبادي قد اشار أخيراً إلى تفاقم عمليات الاختطاف ببغداد ووسط العراق وجنوبه. والمعروف إن رئيس الوزراء هو المسؤول الأول عن أمن العراق وحماية المواطنين والمواطنات من الرعاع الأوباش الذين يمارسون اختطاف المواطنين وتعذيبهم وتركهم على قارعة الطريق وهم أقرب إلى الموت منهم إلى الحياة!
لقد جرى قبل ثلاثة أسابيع تقريباً اختطاف المناضل المدني علي الذبحاوي على طريق مطار النجف من قبل ثلاثة عناصر متوحشة ترجلوا من عجلتين مدنيتين نوع (بيك آب)، وفرضوا عليه النزول تحت تهديد المسدس الذي صوب إلى رأسه، واقتيد قسراً إلى واحدة من العجلتين التي انطلقت إلى جهة مجهولة، واحتجز لديهم لمدة 12 يوماً. جرى خلالها التحقيق غير الشرعي معه، وتعرض لشتى صور التعذيب الجسدي والنفسي لانتزاع معلومات مكشوفة للجميع. فالحراك المدني ليس سراً، وقادته غير مخفيين عن الأنظار، وهم أبناء وبنات غيارى على شعبهم ووطنهم.
إن التعذيب الذي مورس مع علي الذبحاوي لم يختلف عن ممارسات أجهزة أمن وجلاوزة صدا حسين القتلة ضد المناضلين الشيوعيين والديمقراطيين والمستقلين، بل وضد المسلمين ممن كانوا يناضلون ضد حكم صدام حسين، واليوم يمارسون هم التعذيب ضد المعارضين للطائفية والفساد والخراب.
إن ضحية الأمس تحول إلى جلاد اليوم وبكل وقاحة. إن الأسئلة التي وجهت له تكشف عن الوجوه الكالحة لهؤلاء، عن هويتهم السياسية التي لا تبتعد عن المعادين للحراك المدني الشعبي منذ العام 2011، إذ طرحت عليه ثلاث أسئلة:
1) لماذا تشارك في الحراك المدني الشعبي وما هو دورك ومساهماتك؟
2) من يمول هذه التظاهرات المدنية الشعبية؟
3) وهل تتقاضى مبالغ مالية من جهة ما لكي تشارك في هذه الفعاليات؟
من حق الجميع هنا أن يقولوا بوضوح، "اللي جوه ابطه عنز يبغج!"، أو "وكل إناء بالذي فيه ينضح". فهؤلاء الأوباش الذين اختطفوه والذين يقبضون الأموال من إيران ومن مليشيات طائفية مسلحة، ومن أموال السحت الحرام، يعتقدون بأن الذين يشاركون بهذه الفعاليات ليسوا مناضلين وطنيين يشعرون بالكارثة الجارية، بالمستنقع الذي أوقع رئيس الوزراء السابق العراق وشعبه فيه ولم يخرج منه حتى الآن، بل يغوص أكثر فأكثر في أعماق المستنقع، وأن من حق الناس، على وفق الدستور، التظاهر وإبداء الرأي بشأن ما يجري بالعراق من مأسٍ تقتل الحق يومياً بدم بارد.
إن الذين اختطفوا الذبحاوي هم الأذلاء الذين يقبضون النقود ليختطفوا ويعذبوا البشر ويمنعونهم عن التظاهر، ويعتقدون بأن الجميع مثلهم عبيد للمال! تباً لكم من مرضى ساديين، تباً لكم من وحوش تمشون على أربع وتركعون أمام الدولار!
لقد عُذِبَ السيد علي الذبحاوي لأنه يناضل في سبيل المجتمع المدني، وفي سبيل التغيير الذي وعد به رئيس الوزراء، ولم ينفذه حتى الآن، ولن ينفذه.
لقد عُذِبَ لأنه وقف إلى جانب شعبه في مطالبته بمكافحة الفساد والمفسدين أسياد من اختطفوه وعذبوه، وهو أقرب إلى الموت منه على الحياة، ثم رموه على قارعة الطريق الواصل بين النجف والديوانية، في الجريوية. ويقال إن مفرزة للشرطة عثرت عليه وأوصلته إلى مركز الشرطة ليسلمه قائد شرطة النجف إلى عائلته وكل بدنه مليء بأثار التعذيب الشديد والهمجي.
هل بلَّغَ المختطفون، المعروفون للشرطة بهويتهم، الشرطة بوجوده هناك ليجلبوه إلى عائلته، أم تم العثور عليه عن طريق الصدفة؟
هذا الأسلوب في الاختطاف والتعذيب مارسه صدام حسين على نطاق واسع، وعبر هذا الأسلوب تم قتل المئات من الناس المناضلين، أو عذبوا وتركوا على قارعة الطريق ليكونوا عبرة لغيرهم من المناضلين!
خسأ هؤلاء الرعاع الذين يمثلون أكثر أجنحة الإسلام السياسي بالعراق رثاثة وعدوانية وجموحاً، فهم لا يعرفون لغة الحوار، بل التعذيب والقتل هي اللغة التي يعرفونها ويتعاملون بها، وهي هوايتهم المركزية، وهي الأداة المفضلة لدى سيدهم الذي علمهم صنوف التعذيب وسحره، والتي مارسها قبل ذاك في الحراك المدني في العام 2011، ومارسها في الفلوجة وفي ديالى وفي كل مكان من العراق. هذه الأساليب لم تعد تخيف المناضلين من اجل حرية شعبهم ومصالحه الحيوية، وهي التي ترعب الحكام الذين غاصوا في قعر الفساد والجور على الشعب المستباح.
وبعد كل هذا هل أدرك القضاء العراقي والادعاء العام واجبه الدستوري؟
كل الدلائل تشير إلى أن الادعاء العام والقضاء بالعراق ما زالا بعيدين كل البعد عن القضاء المستقل التي يطلبها الدستور العراقي على نواقصه الكبيرة.
إن من واجب القضاة والادعاء العام القيام بواجبهم الدستوري بالتحري عن الفاعلين وتقديمهم للمحاكمة، ومعالجة المختطف على حساب الدولة، وتعويضه من قبل الحكومة العراقية المسؤولية عن أمن وحياة المواطنات والمواطنين.
إن السكوت وابتلاع كل الجرائم التي تقع بالعراق من خطف وقتل وتفجير، ستساهم في ارتكاب المزيد منها لبث الرعب في صفوف المناضلين والمناضلات في الحراك المدني الشعبي.
إن المهم أن يصل التحقيق، وسوف لن يصل إلى معرفة القوى التي تقف خلف هذا الاختطاف والتي يتحدث بها الناس في كل مكان، وكأنها السر المكشوف، على وفق التجارب المنصرمة، بما فيها تجربة المناضل المدني والديمقراطي الشهيد كامل عبد الله شياع، الذي ذهب دمه هدراً وأسدل الستار على القضية، كما أسدل على الآلاف من القضايا المماثلة!!!