أمامي الكثير من القضايا التي تداولتها وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي، جميعها مهمة ومثيري للجدل، وقد غلبت على تلك القضايا سمة التأجيج والتصعيد والمزيد من التوتر في المنطقة، باستثناء الشروع بتطبيق الاتفاق بشأن المفاعل النووي الإيراني مع الدول الست، ومع ذلك انبثقت أزمة جديدة هي أزمة تصنيع الصواريخ الباليستية التي دفعت الإدارة الإميركية لفرض عقوبات جديدة على إيران، وقد تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وكالات الأنباء ردة فعل العديد من الأوساط السياسية على تصريحات وزير خارجية البحرين ضد فصائل الحشد الشعبي وتدخله السافر في شؤوننا الداخلية برغم من إن الأوضاع التي تعيشها الغالبية العظمى من شعب البحرين باتت مقلقة للعالم بما فيها من قمع ومصادرة لحرية الرأي والتعسف والاستبداد، هناك قضية أخرى أثارتها بعض وسائل الإعلام العربية المعروفة بانتقائيتها بالتزامن مع وسائل مدعوماً أميركياً، وأعني قضية عروبة كردستان، في محاولة لزعزعة الداخل الإيراني بدعم الحركات الانفصالية، أنا شخصياً لا أنكر على الشعوب حق تقرير المصير، لكن ما الذي ذكر بعض العرب بعروبة كردستان بعد أن فشلت جميع المحاولات السابقة في إقناع العرب بعروبتهم لأسباب طائفية معروفة، لم تثار هذه القضية اليوم بالتزامن مع خندق الانفصال الكوردي؟
والخندق الكوردي في تقديري هو الأولى والأهم، لأنها قضية عراقية تمس أمننا القومي ومستقبل بلادنا.
لقد بدأ العمل بحفر خندق على طول (440) كيلو متراً، وقد جندت وزارة البيشمركة لذلك أكثر من (140) مهندساً وخبيراً بالجغرافيا والمتفجرات من مختلف الدول المشاركة في التحالف الدولي ، ووفرت قوات حماية، وسيستغرق إنجازه بضعة أشهر، وبصرف النظر عن التفاصيل نتساءل:
هل ثمة جدوى أمنية حقيقية من هذا الخندق أم إنه ترسيمة حدودية للدولة الكوردية المزمع إقامتها بعد الانفصال عن الدولة الأم (العراق)؟
هل هو حقاً صفقة إقليمة أعطت الضوء الأخضر السعودي التركي مقابل إقامة الإقليم السني؟
هل ثمة تمدد داعشي محتمل تخشاه كردستان على حدودها ولا تخشى منه على بقية مناطق العراق؟
طبعاً جميع المبررات الكوردية واهية ولا تصمد أمام الواقع، إذ ليس ثمة تهديد ضد إقليم كوردستان، وحفرها لهكذا خندق ما هو إلا دليل على نوايا مبيتة، أبرزها التهيؤ للانفصال، واتخاذ موقف محايد بإزاء عصابات داعش بالتزامن مع عمليات تحرير الموصل، والإعداد لجغرافيا الأمر الواقع بضم أجزاء من أراضي الموصل.
وهنا تتحول وظيفة الخندق ليصبح عائقاً أمام الحكومة المركزية لاستعادة ما استولت عليه إدارة الإقليم، بالتواطؤ ربما مع أطراف سنية تتزعم فكرة إقامة الإقليم السني، عندئذ علينا أن نوقف خطاب الأدبيات الوطنية التي تتحدث باسم الشراكة واللحمة الوطنية والوحدة والمصالحة والإصلاح وما شاكل ذلك، لأن ردود الأفعال ستترجم إلى خنادق محاذية لبعضها البعض، حتى تتحول تدريجياً لحدود طبيعية تنفذ مشروع بايدن التقسيمي، ويتحول العراق- لا سمح الله- مثل ما يريد الآخرون دويلات ضعيفة تحتمي بقوى إقليمية تحاول أن تبني استراتيجياتها السياسية والأمنية والاقتصادية على إضعاف العراق وزعزعة أمنه وإفشال تجربته الديمقراطية ومن ثم إعادته لمنظومة الاستبداد بما يتوافق وصراعاتها مع الآخرين.
وعلى ما يبدو ثمة تواطؤ دولي لتسيير العراق بهذا الاتجاه، ونحن بدورنا نهيب بشعبنا وبقواه السياسية من مختلف الأطياف للعمل بإرادة عراقية لإفشال تلك المخططات، ونتساءل مع المواطن البسيط عن مصير الشراكة الوطنية التي نأمل أن ترسم مستقبل البلاد بمشروع وطني لا بحفر الخنادق.