أنا لست متخصصاً بالاقتصاد، وليس لدي سوى أفكار بسيطة استخلصها مما أطلع عليه وما أسمعه، لذلك سأتحدث بصفتي مواطناً قبل كل شيء، سأفترض بأن أزمة انخفاض أسعار النفط حصلت ووضع العراق مختلف على المستوى الأمني. أقصد لم تكن هناك عصابات إرهابية تحتل أراضينا وتبسط هيمنتها على مدننا، فهل سيكون تأثير الأزمة بالدرجة نفسها التي نعاني منها اليوم؟ ربما أقل، وربما أكثر، نقول أقل نسبة لما تنفقه الدولة من أموال طائلة على الحرب ضد داعش.
ونقول أكثر لأن المواطن الذي يستشعر خطر الأزمة الاقتصادية على معيشته لا يجد عذراً يبرر للحكومة ما مضى من تهاون وفشل في بناء اقتصاد قادر على مواجهة الأزمات، ولا ننسى دور عصابات داعش في انخفاض أسعار النفط لتهريبها ملايين البراميل ووجود متاجرين مدعومين من قوى إقليمية مستفيدة تعمل على إطالة أمد داعش.
إن أزمة أسعار النفط زعزعت اقتصاديات متماسكة لدول مستقرة، فكيف بالعراق الذي يتحمل وزر حرب تحتاج إلى ميزانية خاصة لإدامتها وحسمها من الناحية العسكرية؟ فالأزمة عندنا مركبة، وتحتاج إلى إسعافات أولية لاقتصاد هو بالأساس هش لاعتماده كلياً على واردات النفط، وضعف الموارد الأخرى أو انعدامها، فضلاً عن اعتماد السوق الاستهلاكية من أعلى سلعة إلى أدناها على الاستيراد، ولا نتحدث عن الفساد والترهل الإداري، ونقصد بالإسعافات طبعاً حلولاً آنية سريعة، نعرف بأن الأزمات لا تحل بعصا سحرية، لكن ينبغي البحث عن حلول ذكية، لا تستطيع الدولة أن تخلق بين ليلة وضحاها قطاعاً خاصاً، كما لا يمكنها خلق موارد أخرى برمشة عين، ولا يمكن النهوض بالواقعين الصناعي والزراعي أو قطاع الخدمات بضغطة زر، فقد ورث اقتصادنا عبر عقود أعباء الاقتصاد الريعي الأحادي، الذي أهمل العديد من الموارد بسبب الوفرة المالية التي لم تنتج سوى اقتصاد خامل عاجز عن النمو.
استوقفني اللقاء الذي ظهر فيه السيد وزير الكهرباء قاسم الفهداوي من على قناة العراقية يوم الأحد الماضي، كان يتحدث بثقة عالية عن إحالة الطاقة الكهربائية للاستثمار، فإعطاء المواطن تياراً كهربائياً على مدى (24 ساعة) مقابل أجور معقولة سينهي الكثير مما يعانيه من تعدد مصادر الطاقة (الوطنية، مولدة المنطقة، مولدة المنزل) وسيخفف الأعباء عن كاهل الدولة، إذ سيتحمل المستثمر مسؤولية جباية الأجور والإدامة وتصليح العطلات ورفع التجاوزات ونصب عدادات ذكية غير قابلة للتلاعب، وتكون مهمته توفير الطاقة للمواطن وجباية الأجور، ومنح رواتب (80%) من موظفي المنطقة المستثمرة من نسبته البالغة (15%) من واردات الجباية، أي سيوفر للدولة مورداً مالياً كان في عداد المال المهدور، قد يسأل سائل: لم لا تقوم الدولة بجباية ما بذمة المواطنين؟ والجواب جاهز، المواطن يمتنع عن الدفع تحت ذريعة عدم توفر الكهرباء بصورة مستمرة، وقسم كبير من المنازل بلا عدادات، وهناك مناطق عشوائية متجاوزة على خطوط الكهرباء، ووضع المواطن لا يسمح حالياً، فضلاً عن وجود فساد معروف في هذا الملف.
وأرى بأنها خطوة جريئة سيتم تدشينها في بعض مناطق بغداد، وسيتم اختيار منطقة من كل محافظة. بالمناسبة حسب معلوماتي نجحت محافظة واسط في توفير طاقة مستمرة مقابل ضبط استحصال الجباية منذ ثلاث سنوات، نحتاج إلى خطوات جريئة كهذه في بقية الخدمات، لا سيما قطاع الاتصالات الذي بيع على غفلة من الزمن لمدة (15 سنة) بما يعادل واردات سنة واحدة أو أقل، ويمكن اتخاذ خطوات مماثلة في الخصخصة لرفع مستوى الأداء وتوفير واردات حقيقية لميزانية الدولة، وهذه بادرة لخلق اقتصاد ذكي يتكيف مع المتغيرات.