زيارة وفد إقليم كوردستان لبغداد وصفتها أربيل بالاعتيادية لبحث تحرير نينوى وما يتعلق بسد الموصل، ومن قال بأنها ليست اعتيادية؟ ولماذا الإصرار على إنها غير موسعة؟
ما المانع من أن تكون موسعة لحسم القضايا العالقة مع المركز؟ فالإقليم جزء من العراق، وبينه وبين بقية المحافظات مصالح مشتركة، بصرف النظر عما يجمعنا كأبناء بلد واحد من علاقات أخوة ودين وتاريخ، فليس من مصلحة الإقليم أن يخسر عمقاً جغرافياً وتاريخياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً يمتد إلى الفاو، وعلى ساسة الإقليم أن يدركوا مخاطر الانفصال الذي تلوح به بعض الجهات، نحن نواجه خطراً يهدد الجميع، والمسؤولية التاريخية تحتم موقفاً شجاعاً لدرء الخطر، ووفقاً لكل الحسابات فإن الانفصال لا يجعل الإقليم في مأمن، سواء من عصابات داعش وغيرها أم من قوى إقليمية ستمارس عمليات ابتزاز للحصول على النفط والغاز، وهي نفسها من منحت داعش غطاء سوقياً لغزو أراضينا، وما تزال تعمل على إطالة تواجدها لضمان المزيد من منافع النفط المهرب.
الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها الإقليم اليوم هي جزء مما يمر به العراق بسبب انخفاض أسعار النفط، ولدى الإقليم في المنظور القريب بعض الحلول، فالحكومة الاتحادية تحاول جاهدة إجراء إصلاحات إدارية واقتصادية، لكن الإقليم لم يتفاعل مع تلك الإصلاحات، ولم يتخذ منها منهجاً اتحادياً عاماً، فلم يحاول مثلاً الشروع بإجراءات تقشفية، كتقليص المناصب الحكومية، فالإقليم ممثل في مجلس النواب العراقي وليس هناك ضرورة قصوى لمجلس نواب خاص، إذ يمكن الاعتماد على مجلس أقرب لمجالس المحافظات، كما ليس هناك ضرورة قصوى لحكومة متكاملة طالما هناك حكومة مركزية وفيها من يمثل إقليم كوردستان، ورئيس العراق كله الدكتور فؤاد معصوم من الأخوة الكورد وهو خير من يمثل الإقليم مثلما يمثل العراق، سيتهمني البعض طبعاً بالشوفينية وسيسخرون من هذا الكلام، فبعد كل هذه السنوات والمشاكل والأزمات والصراعات، أطلب ببساطة شديدة حل الرئاسة والحكومة والبرلمان في الإقليم؟ ما الذي بقي للفيدرالية إذاً؟ وما الذي بقي لساسة الإقليم؟ وما الذي بقي من الحلم الكوردي في الاستقلال؟ إنه مجرد رأي، فميزانية الرئاسات الثلاث للإقليم تعادل ميزانية الرئاسات الثلاث لعموم العراق، ودمجها على وفق خريطة جديدة مع المركز سيقلص الكثير من النفقات، وإذا ما فكرنا بدمج قوات البيشمركة مع وزارة الدفاع سنوفر الكثير من المال ونؤسس لجيش وطني يمثل الجميع وليس له مهام سوى الدفاع عن حدود الوطن من شماله إلى جنوبه، وكذلك بقية الأجهزة الأمنية لتكون لدينا على أقل تقدير رؤية استراتيجية واضحة وموحدة للأمن القومي، ربما يكون هذا ضرباً من الخيال من الصعب تحققه، لكن ليس من المعيب أن نفكر به أو بحلول قريبة منه.
إجراءات أخرى يمكن اتخاذها بتتبع خطى الحكومة الاتحادية في الإصلاح، كمكافحة الفساد واسترداد ما نهب من المال العام، والعمل بالتعرفة الكمركية، وقوانين الضرائب، والشفافية في تصدير النفط والغاز بالتنسيق مع المركز، والإسهام الفعال في منع عمليات تهريب النفط الخام من قبل عصابات داعش الإرهابية، ومنع التعامل مع تلك العصابات من قبل بعض التجار الكورد، ووقف كل محاولات التمدد في المناطق المشتركة أو المختلف عليها لأنها تكلف ميزانية الإقليم، وبيد ساسة الإقليم العديد من الحلول هم أعرف بها منا إذا ما نظروا للأمر بموضعية وعقلانية بعيداً عن التعصب لفكرة الانفصال، لأن النظام الفيدرالي منحهم أكثر مما يحلم به شعب في أية دولة، ومثلما يحق لبعضهم أن يحلم بالانفصال، من حقنا أن نحلم بالاندماج.