لكل اسم مسمى، ويفترض أن تسمى المسميات بأسمائها، ثمة أشياء ثابتة لا نختلف بشأن تسمياتها، لكننا نختلف في التوصيفات، أو الصفات والنعوت، إذ تلعب وجهات النظر المؤدلجة دوراً في توصيف الأشياء، وهنا تكمن الخطورة، فالتعميم الإعلامي لبعض التسميات يصنع رأياً عاماً، فما نطلق عليه إرهاباً نجده عند غيرنا بتسميات مؤدلجة غير محايدة، كأن يطلقون عليه جهاداً أو مقاومة، ووفق منطق الاختلاف يصبح المقاوم إرهابياً، والإرهابي مجاهداً، ويصبح الشهيد قتيلاً والعكس بالعكس، إذ لا توجد معايير أو ضوابط مهنية، أما الحقيقة فلا أحد يقف عندها، لا أحد يفرق بين جماعات إرهابية تنطلق من خطاب تكفيري وفكر ظلامي وذهنية إجرامية متوحشة، وشعب يقاوم هذه الجماعات التي احتلت على غفلة من الزمن أرضه، وشنت حرباً قذرة لقتل الأبرياء وسبي النساء وتخريب الآثار وتجنيد الأطفال وسرقة الثروات وتهجير المواطنين ومصادرة أملاكهم، وأولئك الذين لا يفرقون، ليسوا مغفلين أو متوهمين، بل هم يتعمدون ذلك بذكاء، فهم وزراء وسفراء وحتى ملوك.
(إلقاء القبض على متهمين بأوامر قبض قضائية)، تتحول عند بعض القنوات إلى: (قوات أمنية تقتاد مواطنين أبرياء)، المطالبون بحقوقهم الشرعية بصورة سلمية نطلق عليهم معارضة، ونجدهم عند غيرنا متمردين وخونة وعملاء، ويطلق على بعض المتمردين من الجماعات المسلحة الخارجة على القانون (معارضة معتدلة وثوار وأحرار) وما شاكل ذلك، وهكذا نجد أنفسنا في حروب طاحنة وعداءات تصنف خلق الله كيفما تشاء، حروب باسم الشرعية وأخرى من الجهة ذاتها ضد الشرعية، والمصيبة إن من يحدد الشرعية فاقد لها أصلاً، فالشرعية أصبحت تحدد عند بعضهم بمدى العمالة، ومدى التبعية والخنوع، والواقع إن أي نظام سياسي ما لم يكن منتخباً لا يملك الحد الأدنى من الشرعية، لو أردنا الإنصاف ووزنا المقادير بمكايليها.
شعوب تباد تحت تسميات متضاربة، معارضة، مقاومة، دولة إسلامية، قاعدة، عمالة، ثورة، اعتصام، تمدد، تدخل، محاور، شرعية، ردع، تقسيم، تهميش، إقصاء، طائفية، عنصرية، نصرة، داعش، تطهير، تكفير، ومشاريع مشبوهة ومصالح وسياسات متعجرفة وعدوانية تسود المنطقة، والضحية هو الإنسان، كل يمرر مشروعه بتسميات تناقض تسميات نقيضه، من دون حوار أو وسطية أو فهم واقعي لما حدث ويحدث، وكل هذا طبعاً يصب في صالح الجماعات الإرهابية، لا سيما عصابات داعش التي باتت تشكل خطراً على العالم، وإذا كان العراقيون قد دحروا تلك العصابات ومصممون على تطهير آخر شبر من دنسها، وستهزم في سوريا لا محال، فإنها تعد العدة لتعشش في ليبيا ومنها تنطلق إلى أوروبا وعموم شمال أفريقيا، وربما سترتد على المحيط الإقليمي الذي وفر لها الحواضن الفكرية والمادية والبشرية، طالما ثمة من ينفخ في التسميات سموماً طائفية تؤجج الصراعات الجانبية، وتترك العدو الحقيقي سائباً على هواه..
- نسخه منه إلى وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة الذي تعمد خلط الأوراق بتسمية المسميات بغير أسمائها وإلى من هم على شاكلته.