التفاؤل المفرط قد يفضي للخدر وترك الحبل على الغارب كما يقال، كذلك التشاؤم المفرط فقد يثبط عزيمتنا ويشل إرادتنا، فهل نكون متشائلين كبطل رواية (الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل) للروائي الفلسطيني الراحل (أميل حبيبي)؟! ماذا ينبغي علينا أن نكون نسبة إلى راهننا؟ ما الذي يليق بنا؟ التشاؤم أم التفاؤل؟ أقول وبلا أدنى تردد بأن مساحة التفاؤل التي أتيحت بعد سقوط النظام الدكتاتوري بدأت بالانحسار، ما لم نقل إنها تلاشت عند البعض، فهل أصبحنا متشائمين مطلقاً؟ قد نختار النقيض طلباً لنقيضه، وعلى أية حال فالحياة أوسع من أن نحبسها بلون أسود قاتم أو أبيض ناصع، كلاهما مطلوب للتوازن والتحفيز.
ما يدعونا للتفاؤل أهم وأكثر جدوى، فمع كل ما مررنا به من ظروف، وما نعاني اليوم ونواجه من تحديات على مستوى أمن البلد واستقراره وحياة المواطن والأمن المجتمعي والتعايش والنهوض الحضاري، وما يخرب حياتنا من إرهاب وفساد وتدهور اقتصادي، نقول على الرغم من كل شيء ثمة أمل، أمل نبنيه على حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي إننا اليوم دولة ذات دستور، بصرف النظر عن تحفظات البعض عليه، دولة تعددية، على الرغم من الأخطاء والثمن الذي ندفعه جراء ذلك، دولة ديمقراطية، على الرغم من التوظيفات المغلوطة والخروقات، دولة ضامنة للحقوق والحريات دستورياً، على الرغم مما يعيق ذلك، نستطيع أن نتظاهر ونحتج وننتقد ونعتصم، فقد تحررنا من خوف أزلي كان يكتم أنفاسنا، ربما سيقول البعض لا يزال الخوف قائماً، لا من السلطة بل من قوى المجتمع، أو من بعض المتنفذين في السلطة، نقول على المجتمع أن ينهض، لا لتصبح قواه بديلاً عن الدولة والقانون، بل لمساندة الدولة وفرض القانون، قد يكون هذا مطلباً مثالياً، فالواقع يقول إن قوى المجتمع والدولة تتنافس على فرض قوانينها خارج إطار الدستور ومن ثم التحايل أو بالأحرى إضعاف القانون لنيل المكاسب غير المشروعة والهيمنة على الآخر المنافس، وهذا أول عوامل التشاؤم.
متفائلون بما حققته وتحققه قواتنا الأمنية الباسلة بكل صنوفها، مدعومة بقوات الحشد الشعبي البطلة والشرفاء من أبناء العشائر الثائرة، من انتصارات ساحقة كسرت شوكة الإرهاب الداعشي، لكن سيجتاحنا التشاؤم حتماً إذا خرج علينا البعض ليطعن بحشدنا المقدس في مسعىً مسعور لمجاملة قوى إقليمية انتهجت نهجاً عدوانياً صريحاً ضد العراق منذ سقوط صنم الدكتاتورية حتى الآن، ولنعترف بأن ثلاث حكومات متعاقبة عجزت عن إقناع تلك القوى بتفهم الوضع الاستثنائي للعراق، والاعتراف بحقيقة التغيير، وقبول أنموذج العراق الديمقراطي المتحرر من منظومة الاستبداد والواحدية، وبفكرة العراق التعددي وتعايش قواه وأطيافه، لا نلوم العرب ولا الجامعة العربية التي سلب إرادتها المال السياسي بالتغاضي عن جرائم داعش مثلما تغاضت عن جرائم صدام بحق الشعب العراقي، بل نلوم كل عراقي يدعي الوطنية أن ينتصر لتلك القوى على حساب بلده ودماء شعبه.