قبل أيام قلائل مرت علينا الذكرى الثالثة عشرة لسقوط صنم الدكتاتورية، تلك اللحظة الفاصلة، صورة التمثال وهو يجر بحبل من قبل مدرعة أميركية شكلت أيقونة للحظة حاسمة بين تاريخين، يومها كنت في ليبيا، إذ اختلطت صيحاتنا وصرخاتنا؛ نحن الذين غربتنا عن وطننا لقمة العيش، بدموع الفرح، غير مصدقين، لحظة سقوط تمثال الدكتاتور المقبور في ساحة الفردوس حسمت كل شيء، أيقظتنا على حقيقة الخوف الذي كنا نعيشه، إلى أين فروا؟ (القائد الضرورة) وزبانيته وبطانته وجيشه وأجهزته القمعية؟!
أين حلفاؤه الذين ورطوه بحسب اعترافه بحرب الثماني سنوات مع إيران؟ أين الذين صوروا له غزو الكويت نزهة؟
أين (أبطال) المقابر الجماعية على طول البلاد وعرضها؟
أين الذين قصفوا حلبجة وبعض مدن الجنوب بالكيمياوي؟
أين الذين جففوا الأهوار؟
أين الذين أمعنوا في تجويعنا وقمعنا وتعذيبنا في السجون والمعتقلات؟
أين الذين نفذوا أوامر الإعدامات بحق الأبرياء؟
هذه بعض أسئلة ردة الفعل الأولى، وما أن تجاوزنا صدمة السقوط بدأت الأسئلة تتسع شيئاً فشيئا.. ما الذي سيكون عليه عراق ما بعد الدكتاتورية؟
كيف سيكون شكل نظام الحكم؟
كيف سيكون حال الشعب؟
من هو البديل؟
ومن إدارة بريمر إلى مجلس الحكم إلى الجمعية الوطنية إلى كتابة الدستور إلى الفيدرالية إلى الانتخابات، اندلعت حرب طائفية خطط لها أن تكون مفتوحة بعد تفجير قبة الإمامين العسكريين، لولا عناية الباري عز وجل وحكمة العقلاء من مختلف مكونات المجتمع، ومن أزمة اعتصامات الغربية إلى أزمة الولاية الثالثة، حتى احتلال عصابات داعش الإرهابية لعدد من مدننا العزيزة.
خارطة متشابكة من التناقضات والفساد المالي والإداري وفقدان الثقة بين الكتل السياسية وأعمال العنف وضعف الأداء، ثم الأزمة المالية بعد انخفاض أسعار النفط، وفي خضم ذلك لم ينبثق بعد مشروع وطني حقيقي يمثل فعلياً حقبة ما بعد الدكتاتورية، فقد تمخضت الديمقراطية التوافقية عن دولة مخترقة بأجندات خارجية، وحكومات مشلولة، وجهاز إداري ضعيف، فلا وجود لتنمية اقتصادية أو بشرية، ولا وجود لإعمار حقيقي، ولا نهضة حضارية كما كنا نمني أنفسنا، ولذلك طبعاً أسباب كثيرة ومبررات لا حدَّ لها، لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن نردد بعض ما يردده المغرضون حنيناً للحقبة الاستبدادية السوداء.
في الماضي كانت لدينا مشكلة كبيرة تتمثل في النظام، وسياساته القمعية والطائفية والعنصرية، وحروبه العبثية، وتبديده لثروات البلد وتجويع الشعب وتشريده، وبتواطئ واضح من قوى دولية وإقليمية ومحلية، واليوم لدينا مشاكل مصدرها القوى ذاتها التي كانت متواطئة مع النظام المقبور، لدينا أزمات مصدرها البعثيون والعنصريون والطائفيون ممن يتبنون مشاريع مدفوعة الثمن لإفشال التجربة العراقية، مشكلتنا مع موجة بشرية متوحشة من كل أنحاء العالم تم تجنيدها لقتل العراقيين بغية إخضاعهم وإعادة العراق إلى منظومة الاستبداد والواحدية، وكلنا أمل أن ننهض بعراق جديد لا نندم فيه على التغيير حين نستذكر لحظة سقوط الصنم.