طوزخورماتو مدينة عراقية تتشكل ديموغرافياً من مختلف ألوان الطيف العراقي، بل هي مدينة آشورية قبل أن تكون كوردية أو تركمانية أو عربية أو سنية أو شيعية، وعمقها التاريخي تأكيد لعراقيتها سواء كانت تعني ملح خير متي أم قلعة التوت والتمر، وسواء كانت تابعة لكركوك أم لصلاح الدين، فالعراقيون الأصلاء يكتفون بعراقيتها، ويفخرون بتنوعها الإثني، أما الذين في قلوبهم مرض، فسيزيدهم الله مرضاً كلما أوغلوا باغتيال عراقيتها، فمنهم من أطلق شعار سنية للأبد، أو شيعية مهما كان الثمن، ومنهم من يسعى لتكريدها أو تعريبها أو تركمتها، لكنها عصية وستظل عصية على مخططات العنصريين والطائفيين ممن يريدون طمس عراقيتها لحساب هويات فرعية.
النزاع المسلح الذي تشهده بين آونة وأخرى، ليس له دواعٍ واضحة، مرة يكون عرضياً أو شخصياً فيتسع ويتطور، وأخرى يكون حزبياً فيبدأ برمانة يدوية وينتهي بدبابات وهاونات وقذائف وربما طائرات، ولا أحد من الأطراف المتنازعة يفكر أبعد من لحظة الانفعال بنتائج ما يحدث، ضحايا من الطرفين، ضحايا أبرياء لا علاقة لهم بالنزاع، تكريس للاحتقان الطائفي والفتنة، انقسام مجتمعي، كراهية، وفوق هذا كله، فإن النزاع لا يخدم سوى أعداء العراق من عصابات داعش ومن لف لفها، فبدلاً من أن توجه قوات الحشد الشعبي وقوات البيشمركة فوهات أسلحتهم باتجاه العدو المشترك، تدار الفوهات إلى صدور الأخوة، فيا لخيبة الأمل!!
ترى من سيخرج منتصراً من حرب الأخوة الأعداء؟ الشيعة أم السنة؟ الكورد أم العرب أم التركمان؟ البيشمركة أم الحشد الشعبي؟ من سينتصر على من؟ إنكم والله تحققون لعصابات داعش ما تحلم به وتخطط له، وتهدونها نصراً بلا ثمن تدفعه، ما لم نقل إنكم تفتحون ثغرة للعدو بهذه النزاعات الجانبية التي لا طائل منها، ألم تسألوا أنفسكم ما نتيجة الصراع المرير بين العرب والكورد الذي أجبر شعبنا العراقي على خوضه في العهود الغابرة غير المزيد من الضحايا؟ ما الذي تحقق للسنة أو للشيعة خلال سنوات الفتنة السوداء؟ أليست داعش التي نخوض ضدها حرباً مقدسة هي واحدة من نتائج صراعاتنا وخلافاتنا؟
نستبشر خيراً بمواقف العقلاء، وتسارع قادة الدولة والمجتمع لوأد الفتنة، آملين ألا تتكرر مثل هكذا حروب جانبية، سواء في طوزخورماتو أم السعدية أو سواهما، فنحن العراقيين من دون استثناء، من مختلف الأطياف، مستهدفون من قوى الإرهاب والتكفير والظلامية، ونواجه خطر داعش التي تتدفق عناصرها من كل أنحاء العالم، وهناك من يمدها بالمال والسلاح والفتاوى، ويحقق من خلالها مشاريعه المبنية على إضعاف العراق واغتيال تجربته الديمقراطية، ومن ثم العودة بنا لمنظومة الاستبداد، ورب قائل يقول: أية ديمقراطية هذه التي أوصلتنا لما نحن عليه اليوم؟ وجوابنا بلا أية مزايدة، هو أن الديمقراطية برغم مساوئها أفضل مليون مرة من كل حسنات الاستبداد والدكتاتورية التي دفعنا ثمنها ملايين الضحايا في الحروب والمقابر الجماعية والأسلحة الكيمياوية، تنكيلاً وتهجيراً وإعداماً وأنفلة وتطهيراً ومحواً للذات والهوية.