يقال إن وراء تأخر تحرير الفلوجة والموصل أيادي خفية، كما يقال إن وراء اقتحام المتظاهرين لمبنى البرلمان أيادي خفية أيضاً، وهكذا نجد أنفسنا دائماً في دوامة من الأيادي الخفية تتلاعب بمقدراتنا ومصائرنا وتخط لنا مجريات الحياة، فقد اعتاد المحللون والمراقبون أن يشيروا لتلك الأيادي كلما عجزوا عن إيجاد العلل الحقيقية المسببة لهذه الأزمة أو تلك، وما أسهل ما تكون الأيادي الشبحية غير المنظورة سبب كل مصائبنا، فهي سبب تفشي الفساد في مفاصل الدولة، وهي سبب عدم تسليح الجيش العراقي لمكافحة الإرهاب، وهي سبب اتخاذ المحاصصة منهجاً سياسياً للدولة، فثمة أيادٍ خفية تحول دون استقرار العراق، وأيادٍ أخرى تخطط لتقسيمه، وأخرى تسعى لنهب ثرواته، وأخرى للحيلولة دون ملاحقة الفاسدين من ناهبي المال العام، وأخرى تمنع استعادة الأموال العراقية المهربة للخارج، وأيادٍ خفية أخرى تحول دون عقد جلسة البرلمان والتصويت على حكومة التكنوقراط.
قصتنا مع الأيادي الخفية تمتد لسنوات بعيدة، فدائماً هناك مؤامرات تحاك في الخفاء، إمبريالية صهيونية رجعية، حتى في بعض القراءات المعاصرة للتاريخ القديم، دائماً هناك مؤامرات أجنبية تستهدف الأمة وتخرب تاريخها وتهدف إضعافها، ابتداءً من العيلاميين والمقدونيين مروراً بالزنج والقرامطة والشعوبيين والزنادقة واليهود وغيرهم وهلم جرا.. ولا ندري إلى متى ستظل هذه الأيادي السحرية تمسك من خلف الستائر بدمى حياتنا وتوجهها حيث لا تشتهي السفن؟! إلى متى تبقى حياتنا رهن تلك الأيادي الفولاذية التي تعجز كل قوانا عن ملاواتها؟ حتى بات بعضهم يشكك بوجود أيادٍ خفية في مخادعنا تتحكم بخصوصياتنا، فما من شخص يفشل حتى قال هناك أيادٍ خفية تعمل ضدي، وما من شخص نجح حتى قيل هناك أيادٍ خفية تدفع به للأمام لغاية ما، وما من زوجة تطلقت حتى قالت هناك أيادٍ خفية سعت لخراب بيتها، وما من فاسد تم فضح فساده حتى ادعى بأن أيادي خفية وراء ذلك، ويبدو أن الأيادي الخفية تمتلك سلطة نافذة أعلى من كل سلطة، فهي التي تنصب وتنحي وتقتل وتفجر وتخرب وتعرقل وتقسم الأرزاق والمصائر.
نريد أسباباً حقيقية واقعية لكل علة، لكي نسعى لإيجاد علاج لها، نريد تشخيصاً دقيقاً لإجراء عمليات جراحية لكل ورم، ولكي تكون المضادات فعالة لا بدَّ من تحديد نوعية الفايروس، وإلا فسنكون مثل الذي يعاني من خلل عضوي أو نفسي فيقال عنه (راكبه جني) أو (معمول له عملا سحريا)، فنحن أمام واقع لا يحتمل التنجيم والسحر وتحضير الأرواح، وبفضل التقنيات المعلوماتية الحديثة لم تعد ثمة خفايا، بل إن ظاهرة الجواسيس التقليديين اختفت بسبب وجود التقنيات الحديثة، ووسائل المراقبة، وجس النبض، وكشف المستور، فما يحدث في أقصى بقعة من الأرض يكون في متناول البشرية جمعاء لحظة حدوثه، وثمة أقمار صناعية تصور كل شاردة وواردة على الأرض، وإذا كانت ثمة أياد عابثة بمقدراتنا فهي ليست خفية كما نزعم.