جميع الرهانات خاسرة إلا رهان الوطن، وقد انتصر الوطن على أعدائه، انتصر بابنائه بتاريخه بإرثه الحضاري بإرادة شعبه، انتصر الوطن بدم الشهيد (أبو حميد) فلطالما سمعنا لغطاً من هنا أو هناك، بشأن قوة داعش في الفلوجة ومحيطها، ولطالما سمعنا تحذيرات يطلقها بعض المرجفين، لكن حين أزفت الساعة، لم يصمد معقل لداعش، ولم تنفعهم أنفاقهم ولا عبواتهم ولا تكبيراتهم الجوفاء، لم تصمد دعايتهم التي تجندت لها بعض قنوات الفتنة، لقد اندحروا على الأرض، واندحروا داخل جحورهم، واندحروا وهم هاربون بزي النساء، اندحرت فتاواهم، واندحرت ظلاميتهم، اندحروا على تويتر وفيسبوك، واندحرت خرافاتهم وتمزقت راياتهم، وانتصر الوطن في كل المواقع ورفرفت راياته.
أبو حميد ذو الشيبة الثمانينية، القروي الميساني، الذي أبى إلا أن يشارك من هم بعمر أبنائه وأحفاده متطوعاً في فصائل الحشد الشعبي المقدس، استشهد في معارك الفلوجة، وشيعته ميسان باكية من رهبة الموقف، لا أظن أن أحداً يرى أبا حميد ولم تدمع عيناه، ليس حزناً على فقدانه وإنما خجلاً، فهذا الشيخ الكريم المعروف لدى أبناء قريته بكونه من أهل الخير والصلاح، رجل بسيط متواضع، لم يذهب لينتقم من أحد، ولم يتطوع ليهدم مسجداً، أو يسرق ثلاجة، فهو في غنىً عن كل شيء إلا الوطن، لا يمكن أن نقارن بينه وبين الذين هربوا إلى فنادق كردستان وعمان ليهرجوا ليل نهار ضد الحشد المقدس، ولا أقارنه بالمختبئين أو من قاموا بتسفير أولادهم خارج العراق، ولا بالشباب الذين نراهم مع النازحين والفارين جراء العمليات العسكرية، ولا بالذين يجوبون شوارع بغداد بمواكب وعربات مصفحة، فهو أكبر من كل هؤلاء، ولا يقارن إلا بحبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه.
إن وطناً فيه رجال مثل أبي حميد لهو وطن منتصر، فهناك العديد من الشيوخ كبار السن تطوعوا في الحشد ملبين نداء المرجعية، وهدفهم النصر أو الشهادة، ووجود مثل هؤلاء هو شهادة للتاريخ، بالمقابل هناك شبان بعمر الزهور، وبهم نحن منتصرون، بينما سماسرة السياسة وتجار الفتاوى الجهادية هم وأولادهم في شغل شاغل، واجبهم إثارة الفتن وسفك دماء الآخرين وتخريب البلدان وتشويه صورة الإسلام وقبض الثمن، وواجبنا وأد الفتنة وحقن الدماء وبناء وطننا والدفاع عنه وحماية المسلمين والإسلام من الظلاميين والقتلة والثمن الوحيد هو إيماننا وحبنا للوطن.
أبو حميد في عقده الثمانيني، ابن الجنوب الأصيل، ليس مجبراً، وليس مكلفاً شرعاً، ولم يتطوع بقصد الحصول على مال، بل هب لقتال داعش لأن في داخله إنسان حقيقي بحجم وطن، لم يمنعه كبر سنه، بل كان مصراً على مقاتلة الأعداء حتى استشهد من أجل تحرير الفلوجة، وهو بالتأكيد لم يفكر بالمنطق الطائفي الذي يفكر به بعضهم، ويقيناً إنه كان مصدر قوة لرفع معنويات المقاتلين، فهنيئاً لوطن استشهد من أجله أبو حميد الذي سيبقى حياً خالداً في الدنيا والآخرة.