ما أن توالت انتصاراتنا في الفلوجة واندحرت عصابات داعش تباعاً في المدن والقرى المحيطة بها، حتى انبرى بعض سماسرة السياسة وتجار الرأي عبر قنوات الفتنة والطائفية، للتشكيك والتحذير والتباكي على المدنيين متوقعين حدوث خروقات واعتداءات، أصوات نشاز تملأ الشاشات الصفراء نعيقاً، لتشويه السمة الوطنية للمعركة، ونحن هنا لا ندافع عمَّن يرتكب اعتداءات أو يسيء للمدنيين الهاربين من بطش داعش، لكن بالمقابل علينا ألا نتجاهل تضحيات العراقيين من الجيش والشرطة والدفاع الجوي وطيران الجيش والهندسة وكل الصنوف، وألا نتجاهل تضحيات أبناء الحشد الشعبي وأبناء العشائر، وألا نتجاهل آلاف الصور الإنسانية التي تداولتها وسائل الإعلام المنصفة ومواقع التواصل الاجتماعي، علينا بالمقابل ألا نتجاهل تجاوزات تنظيم داعش الإرهابي بحق المدنيين الذين يحتجزهم دروعاً ويختبئ وراءهم، أو يطلق عليهم الرصاص وهم يعبرون لضفة الأمان، وألا نتجاهل مقبرة الصقلاوية بحق الجنود العراقيين التي تم العثور عليها بعد تحرير المدينة، 400 جندي عراقي، وقبلها جريمة سجن بادوش، وجريمة العصر سبايكر سيئة الصيت، وكلها جرائم إبادة يندى لها الجبين، علينا ألا نتجاهل جرائم داعش ضد المدنيين العزل في سوق عريبة وسوق شلال وسوق الـ 4000 ومقهى رابطة ريال مدريد في بلد وغيرها من الجرائم التي تفصح عن مدى الحقد والكراهية التي تتسم بها عقيدة هذا التنظيم الأسود.
نساء الفلوجة الهاربات من جحيم داعش يحتمين بأبناء القوات المسلحة والشرطة الاتحادية وأبناء الحشد المقدس ومعهم الحشد العشائري من أبناء الفلوجة، بينما جرذان داعش المذعورون يحتمون وراء النساء، وهذا هو الفرق الأخلاقي والعقائدي بيننا وبينهم، ابن العراق ينحني لتعتلي ظهره امراة لا تستطيع ركوب العجلة، بينما الدواعش سرقوا ثيابهن ليتنكروا بها في حفلات الهروب الجماعي، ابن العراق يحمل على ظهره الشريف امرأة عجوزاً لينقلها إلى مكان آمن، والدواعش يلاحقوهن بالرصاص، عصابات داعش تفخخ البيوت والطرقات وتدس الانتحاريين بين النازحين ولا أحد يشير لجرائمها ضد حقوق الإنسان وانتهاكاتها الصارخة، بينما يرتفع نعيق الغربان لمجرد الشك أو الشبهة، ومع ذلك كانت هناك إجراءات مشددة وصدرت تأكيدات من المرجعية الرشيدة ومن القائد العام للقوات المسلحة ومن قادة الحشد الشعبي ترفض أيَّ اعتداء وتدين أيَّ انتهاك إذا ما صدر من أيٍّ كان.
معركة الفلوجة معركة وطنية بكل المعايير، وملحمة بطولية عراقية خالصة، أريد لها أن تكون انتصاراً للوطن وللعراقيين جميعاً، وقد أشادت مختلف الدوائر الدولية بالأداء المهني لقواتنا البطلة، ولم يثبت لحد الآن وجود انتهاكات كبيرة، قد تكون هناك أخطاء، أو اعتداءات فردية، لكنها ليست بالصورة التي هولها الإعلام الداعشي وأبواق الفتنة، إلى درجة ادعاء أحدهم بأن داعش طبقت نظام الحكم اللامركزي، وغالبية أهل الموصل يفضلون البقاء تحت حكم داعش على دخول جيش شيعي لتحريرها، فأي منطق أعوج هذا؟! لِمَ يراد لحربنا ضد الإرهاب الداعشي أن تسيس طائفياً؟! لِمَ يخشى البعض انتصاراتنا على داعش فيسعى بكل السبل لوسمها طائفياً؟ ألأنه مساهم بجلب داعش أم هو جزء من مشروعها اللامركزي؟ أم أن تحرير العراق من دنس الدواعش سيكشف بقية أوراقه التآمرية؟