على وفق المعايير العسكرية يمكننا القول بأن الفلوجة تحررت من دنس داعش، وستتحرر محافظة الأنبار بالكامل، ومعركة الموصل الحاسمة على الأبواب، وحين نقول دنس داعش، فإن داعش دنس حقيقي وليس مجرد وصف مجازي، فداعش في الواقع ليست مجرد عصابات مسلحة ومرتزقة تجمعهم أهداف ولهم غايات معينة، وليست مجرد مشروع إسلامي- سياسي، أو مجرد أداة عمياء للعنف قامت على تأسيسها دوائر دولية وإقليمية لتنفيذ مشاريعها ووقاية استراتيجياتها ومصالحها من تمددات الآخرين، بل هي فكر يحمل صفة الدنس الحقيقي، فكر شاذ يسعى جاهداً لاستحضار كل الفتاوى الشاذة ويصهرها لتشكل صورة مرعبة لإسلام آخر وبأدبيات مغايرة لكل مراحل الإسلام منذ عصر الرسالة حتى يومنا هذا.
الإسلام الذي تتبناه داعش هو تجميع لفتاوى شاذة من مختلف المراحل، مع غلبة واضحة لفكر الخوارج، فتاوى مقتطعة من سياقاتها التاريخية وضروراتها الزمنية، وعلى الأكثر هي فتاوى إشكالية غير متفق عليها، بل ليست من أصل الدين، وإنما هي نتاجات الفكر التعقيبي على النص، أو تأويله وتوظيفه قسراً، والاجتهاد على منطوق ظاهره، والأخذ بما ينسجم مع الهوى بتجزئة النصوص أو العمل بمنطق القياس الذي لا يتناسب مع الفحوى الحقيقي للعديد من المسائل، وهو ما درج عليه ابن تيمية وابن قيم الجوزية وتبعهما محمد بن عبد الوهاب، وعموم فكرهم هو سليل الحنبلية المتشددة التي تفوقوا عليها تشدداً.
فالدنس الحقيقي في الفكر الذي يستدرج ضعاف النفوس من الذين تلعب بعقولهم النعرات الطائفية، والدنس الحقيقي هو تحول هذا المشروع الفكري الشاذ إلى نزعة عقائدية لأدلجة أجيال ضائعة لم تجد في الخيارات الأخرى خلاصاً لمشكلاتها الوجودية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، والخطر الأعمق لهذا الفكر الذي لا يختلف كثيراً عن فكر القاعدة وطالبان، ولا يخرج بعيداً عن الفكر الوهابي السلفي، هو في تقسيمه للأرض وللبشرية على خندقين أو دارين: كفر وإيمان، بمعنى آخر لا مجال للتعايش أو قبول الآخر بأي صورة، إما أن تكون مؤمناً معي أو كافراً ضدي فيستباح دمك وعرضك ومالك، وهذا المنطق الأحادي تستجيب له العقول الانفعالية حتى يتحول إلى عصاب جماعي وهوس يجد فيه ضعاف الشخصية ذواتهم، من خلال سطوة الترهيب.
فمن هو المسؤول عن تغذية هذا الفكر الشاذ؟ ومن الذي وفر له سقفاً من الفتاوى؟
بصرف النظر عمن كوَّنه ويدعمه مادياً وسياسياً وإعلامياً، ألا ترون معي بأننا كلما اقتربنا من تحرير مدننا وانتصرنا على هذه العصابات الضالة تتعالى أصوات النفاق والفتنة؟!
الا ترون بأن جهات كثيرة تحاول عرقلة انتصاراتنا أو تشويه صورتها الحقيقية الناصعة؟ أّفّهُمْ مع المشروع السياسي لداعش؟ أم هم مؤمنون بالفكر الشاذ؟
ولمناسبة ما طالبت به الخارجية العراقية من توضيح من الجانب السعودي بخصوص جمع التبرعات لدواعش الفلوجة، فإنني شاهد عيان على قيام أئمة المساجد بجمع التبرعات لما يسمى بالمجاهدين في العراق، عقب كل صلاة، وهذا ما سمعته بأذني في العام 2006 اثناء موسم الحج في مكة بالذات.