عرفت أسطورة تموز أو ديموزي وعشتار أو عشتروت أو إينانا منذ العهد السومري بمراسم الحزن والمراثي، وتموز هو رابع شهور السنة السومرية الذي يمثل عودة تموز إله الخصب والنماء متمثلاً بطائر السنونو، أما تموزنا فهو بحق شهر الفواجع، رب قائل يقول: وماذا عن ثورة 14 تموز 1958 التي ستمر ذكراها غداً؟
نقول لم تخلُ هذه الثورة من مأساة عنف طالت العائلة المالكة ورموزاً سياسية عديدة أبرزها نوري السعيد، ثم المذابح السياسية التي تخللت أيام حكم الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم حتى انتهت بمأساة إعدامه في 8 شباط 1963، بعد ذلك حدثت مأساة حركة حسن سريع في الثالث من تموز 1963، فبعد إخماد شعلة هذه الانتفاضة تم إعدام أكثر من 300 شخص، وفي 17 تموز 1968 حدث انقلاب البعثيين الذي أحال العراق إلى سجن كبير، وقد تعرض الشعب العراقي بكل أطيافه لشتى أنواع التقتيل والتهجير، فضلاً عن الحروب العبثية الخاسرة التي خاضها الدكتاتور المقبور.
في 8 تموز 1984 حدثت واقعة الدجيل، فبعد إطلاق النار على موكب الطاغية زجت مئات العوائل في السجون، ثم تم إعدام المئات فضلاً عن تجريف المزارع والبساتين ومصادرة الأملاك والأراضي، وهي القضية التي اطلع الشعب العراقي على تفاصيلها من خلال محاكمة الدكتاتور ورموز نظامه المباد، وقد كان تموز 1979 شهراً مشؤوماً حين تسنم الطاغية مقاليد الحكم وبسط هيمنته من خلال العديد من الأجهزة القمعية، وقد تزامن ذلك مع إعدام العديد من قياديي حزبه بعد اتهامهم بالتحضير للانقلاب عليه، يا لتموز ومآسيه التي لا تنتهي!!
في الثاني من تموز الجاري كنا على موعد مع مأساة هي ربما الأعمق، ومع جريمة هي الأبشع، هيروشيما مصغرة، على العالم أن يوثقها بوصفها شاهداً حياً على وحشية الإرهاب الداعشي وخسته ونذالته، فهي مأساة مركبة، لأنها حدثت في واحد من أطهر الشهور، بل هو شهر الله الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان، وقد تزامنت أيامه الأخيرة مع شهر تموز، ومع اقتراب العيد حيث الناس تهب لشراء الملابس والهدايا لا سيما النساء والأطفال والشبان، هي جريمة مركبة توقيتاً زمنياً واختياراً مكانياً، فالكرادة عروس بغداد الزاهية بمحالها التجارية ومقاهيها ومطاعمها وناسها الطيبين من مختلف أطياف الشعب العراقي وشرائحه، فالتوقيت كان يمثل ذروة الزحام وتوافد العوائل للتبضع أو لتناول السحور، والمكان من أشد الأمكنة تزاحماً لوجود عدة مجمعات تجارية ومطاعم معروفة، الأمر الذي أفقدنا العديد من الضحايا الأبرياء، فضلاً عن العمارات السكنية التي لم يخرج من سكانها إلا القليل، أسر كاملة وأخوة وأصدقاء وأخوات وأطفال بأعمار الزهور ورضع، أية عوامل ثقافية أو دينية أو سياسية أو غيرها يمكن أن توصل أشخاصاً مأبونين إلى هذا الكم الهائل من الحقد والكراهية والتوحش؟!
لقد تحول المكان إلى مزار، وتحولت الكرادة إلى منطقة موحشة بلا مركبات، أرتال الناس تقطع الطريق ذاهبة للمزار أو عائدة منه، بوجوه يتآكلها الوجوم ويعتصرها الحزن، وقد صارت زيارة المكان طقساً يومية عند بعضهم، وها قد مرت الأيام، وماذا بعد؟! أنستسلم لهذا الحزن؟ أنقتل شهداءنا وهم الأحياء بموت الكرادة؟ أنوقف الحياة تلبية لما يسعى إليه المجرمون الدواعش؟ أناشد كل من يعنيه الأمر أن نعيد الحياة للكرادة بأسرع ما يمكن، ونصنع من الموت الذي أعده الظلاميون لنا حياة.