اعتدنا نحن العراقيين ومعنا كل الشعوب العربية على مرور القمم مرور الكرام، غير عابئين بمجرياتها وما يتمخض عنها من بيانات ختامية، وما هي إلا منبراً للخطابة والترحيب بأصحاب الفخامة والسمو والمعالي والسيدات والسادة الحضور، وتصفيق متباين الحدة بين الفقرات، ثم ينفض الجمع ويعود كل إلى بلده، ويدور الحول وتلتقي الوجوه نفسها لتتبادل الخطب ذاتها والتصفيق ذاته والتبريكات والتهاني وهكذا دواليك كما يقال، حين استمعت لكلمات الافتتاح سرني شيء واحد يخص العراق، هو الإشادة بما حققه العراق من انتصارات بطولية في تحرير العديد من مناطقه التي كانت مغتصبة من عصابات داعش الإرهابية، وثمة إشارات إلى ضرورة دعم العراق في حربه وضرورة مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه وهذه حسنة تحسب لهذه القمة، لكن لا يخلو الأمر من استغفال للمواطن العربي، هناك ربط غير منطقي بين الإرهاب والتدخلات الخارجية، وهذا يعني غض الطرف عن المرجعيات الفكرية للإرهاب، وتبرئة بعض الدول العربية المشاركة في المؤتمر من تهمة دعم الإرهاب.
المشكلة الحقيقية تكمن في كون الدول التي تعد راعية للإرهاب هي نفسها من يهيمن اليوم على مقدرات الجامعة العربية وعلى القرار العربي بمالها لا بمكانتها التاريخية أو السياسية، فإن استبعاد الحكومة السورية وإحلال ما يسمى بالمعارضة بديلاً عنها كانت سابقة خطيرة، وكان موقفاً مدفوع الثمن، وما يزال الموقف العربي خجولاً في دعمه للحكومة العراقية، وبتحريض من الدول ذاتها المتهمة بالتواطؤ مع الإرهاب فكرياً وإعلامياً ودعماً مادياً ولوجستياً، العراق يسعى لإدراج الوجود العسكري التركي على أعمال المؤتمر، ونحن نتساءل ما مصير القرار الذي اتخذه وزراء الخارجية العرب أواخر العام 2015 بإدانة التدخل ومطالبة الحكومة التركية بالانسحاب الفوري بدون قيد أو شرط؟!
ما حجم الجهود التي بذلتها الدبلوماسية العربية لتنفيذ ذلك القرار؟ وهل من المجدي نفعاً اتخاذ قرار مشابه في هذه القمة؟
ترى ما الذي سيتخذه القادة العرب بشأن التدخل السعودي العسكري في اليمن أو تدخلها في شؤون سوريا والعراق؟ ما الذي سيقدمونه للعراق في حربه ضد عصابات داعش؟ ما الذي يمكن أن يقدم للشعب البحريني وهو يعاني القمع وإرهاب السلطة وأساليب التهميش وعقوبات السجن وإسقاط الجنسية وإغلاق المنظمات المدنية المعبرة عن رأي الشارع البحريني؟
هل سيقومون بما يلزم إسرائيل على حل الدولتين ووقف التمدد الاستيطاني والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة؟
هل سيتفقون على منع الخطاب التكفيري المتطرف وفتاوى القتل وإثارة الفتن؟
هل سيمنعون جمع التبرعات لداعش عقب كل صلاة؟
جميع خطابات الافتتاح طالبت بحلول لما تعاني منه الشعوب العربية في اليمن وسوريا والعراق وليبيا ومواجهة الإرهاب الذي يجتاح المنطقة، كلها خطابات لطيفة تنطوي على أمنيات لاستعادة ابتسامة الطفل العربي، بعبارات رنانة للاستهلاك الإعلامي، لكنها لا تجرؤ على تشخيص العلل الحقيقية، وتعجز عن إيجاد الحلول الواقعية الحقيقية، وكالعادة التركيز على القضية الفلسطينية التي ذهبت مثلاً سائراً للميؤوس منه حالها حال القمم العربية.