القيمة الأساسية للبرلمان لا تكمن في دوره التشريعي فحسب، وإنما في دوره الرقابي، وهما دوران يكمل بعضهما الآخر، ولعل الدور الرقابي أكثر أهمية لأنه يضمن نفاذ التشريعات والقوانين ويحافظ على المصالح العامة للدولة والمجتمع، وأن عملية الفصل بين السلطات هي التي تتيح للبرلمان المساحة المفتوحة لمراقبة الأداء الحكومي، أما إذا كان هناك تداخل أو تمدد لسلطة على حساب أخرى، أو أن تكون السلطتان التشريعية والتنفيذية أحدهما ظلاً للآخر، مثلما هو حاصل من خلال ما يسمى الشراكة والتوافق والمحاصصة، فستصبح الرقابة سياسية وانتقائية وتفقد الكثير من إطارها القانوني، فمع التوافقية ينعدم وجود المعارضة، ولا يمكن لأي برلمان في العالم أن يسير على وفق الأسس الديمقراطية بدون معارضة، ذلك أن الدور الحقيقي للرقابة هو دور المعارضة، أما إذا كانت الكتل جميعها ممثلة ومتقاسمة للسلطة التنفيذية وحتى للسلطة القضائية، فلا توجد رقابة حقيقية.
ما حصل في جلسة الاستجواب الأخيرة للسيد وزير الدفاع خالد العبيدي، هو نتاج طبيعي لانعدام الفصل الحقيقي بين السلطات، ولا ننتظر مما يسمى بالتوافق إلا أسوأ من هذا، إذ يتحول الدور الرقابي إلى وسيلة للابتزاز ومناسبة لتبادل الاتهامات، الشارع العراقي يعلم علم اليقين بوجود وسطاء ومقاولين وشركات حقيقية ووهمية تمثل بعض النواب، كما يعلم بوجود عصابات لنهب المال العام وابتزاز مؤسسات الدولة بغطاء حزبي/ برلماني يمثل هذه الكتلة أو تلك، وهناك مساومات على تغطية الفساد، ما لم نقل إن سير العمل في مؤسسات الدولة، لا سيما العقود والمناصب والامتيازات والإيفادات وغيرها تدار بأيدٍ برلمانية ليست خفية، الأمر الذي أفقد السلطتين التشريعية والتنفيذية مبدأ الاستقلالية.
لا نود الخوض في تفاصيل الاستجوابين اللذين خضع لهما السيد وزير الدفاع خلال أشهر، لكن نتساءل لم كان الأول سرياً والثاني علنياً؟ ولم تم تسريب الاستجواب السري الأول بعد فضيحة الاستجواب الثاني؟ لم لم يقدم العبيدي اتهاماته قبل استجوابه الثاني؟ ما نتائج التحقيقات الخاصة بالاستجواب الأول؟ هل وراء ذلك طبخة سياسية؟ أم هناك أجندات إقليمية ودولية لتغيير بعض الوجوه؟ هل هي بداية حقيقية لكشف ملفات الفساد؟ أم زوبعة للإبقاء على التقسيم الطائفي والحزبي للمناصب؟ على اعتبار أن نتائجها ستطال ممثلي مكون معين، هل ثمة حملة مضادة لتطال من يمثل بقية المكونات؟ وبحكم ما تخوضه قواتنا المسلحة البطلة من معارك شرسة، وما تحققه من انتصارات مشرفة على عصابات داعش الإرهابية، واستعداداتها لتحرير الموصل: هل كان توقيت الاستجواب مناسباً؟
إن اتهامات وزير الدفاع للآخرين لا يعفيه من التهم الموجهة إليه؟ وربما ستفضي الأمور إلى صفقة تغلق كل الملفات؟ تحت غطاء الشراكة وإلى مزيد من التداخل بين السلطتين؟
ويبقى المواطن بينهما، على طريقة تعريف المرحوم مصطفى جواد للسندويج(الشاطر والمشطور وما بينهما كامخ) ينتظر تحرير الموصل وحل أزمات الخدمات والعشوائيات والنازحين والأزمة الاقتصادية بحلول واقعية ناجعة، لا تمد يدها إلى جيبه وإنما إلى ثروات من أثروا على حساب قوته اليومي.