المزاج السياسي الأميركي ليس متقلباً كما قد يظن البعض من خلال الخطب الرنانة للمرشح الجمهوري ترامب، استمعت إليه وهو يتهم أوباما وهيلاري كلنتون بارتكاب أخطاء جسيمة انعكست سلباً على الشرق الأوسط، لم يتردد في كونه ضد الغزو الأميركي للعراق وإسقاط صدام حسين الذي لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل، ونسي على ما يبدو بأن الدكتاتورية وحدها هي سلاح شامل ضد الشعوب، فكيف الحال مع صدام الذي ورطنا بحروب مدمرة ومجازر ومقابر جماعية وتجويع وتشريد وقمع فكان الغزو نتيجة من نتائج سياساته العدوانية التي أقلقت المنطقة والعالم، وفي الوقت الذي كان يشدد فيه على محاربة الإرهاب العالمي، كان يتهم أوباما بمنح إيران فرصة لتمويل الإرهاب من خلال الاتفاق النووي، متوعداً حزب الله ومن يدعمه، ولم أتبين إن كانت قناة العربية حذفت شيئاً من خطابه أم أنه لم يتطرق للدول التي ثبت ضلوعها بالإرهاب فضلاً عن كونها مصدراً من مصادر الفكر التكفيري المتطرف التي تقوم عليه عقيدة الإرهاب؟
ترامب كثير الانتقاد لسابقيه، وهذا جزء من استراتيجيته الدعائية، بل إن الجمهوريين أصلاً على النقيض من الديمقراطيين، وكل حزب يسعى للانتصار على الآخر، لكن ما الذي يدور تحديداً في ذهنية ترامب؟ أيهما أولى بأن يحارب داعش والقاعدة وشبيهاتها وحواضنها الفكرية ومموليها أم إيران وحزب الله؟ هل أن القاعدة وداعش كانت مصدري العمليات الإرهابية التي شهدتها أميركا وأوربا أم حزب الله؟ أم هو غزل صريح لإسرائيل ومن يقف وراءها من لوبيات ضغط على مختلف المستويات الاقتصادية والإعلامية والعقائدية في الولايات المتحدة؟ ألم يسأل نفسه من أسس القاعدة ومن يوظفها اليوم في تنفيذ مخططاته؟ من مهد لصناعة داعش ومن يقدم لها الدعم اللوجستي والمادي والفكري والإعلامي؟ من المستفيد ومن المتضرر؟
أوباما في بداية ولايته أطلق وعوداً كثيرة لإزالة الكراهية بين الأمة الأميركية وشعوب الشرق الأوسط، لا سيما المسلمون العرب، وقد اختار القاهرة عاصمة الهزيمة العربية بتوقيت زمني مقصود هو يوم الخامس من حزيران، وألقى خطاباً بمنتهى الرومانسية في جامعة القاهرة، وركز على إعادة النظر بالعلاقات الأميركية العربية لاحتواء مخاطر الكراهية، معترفاً بأن العرب يكرهون أميركا بسبب دعمها لإسرائيل، وقد استبشرنا خيراً بالزاج السياسي الجديد لأميركا، وتخيلنا بأن سياستها الاستراتيجية ستتغير باتجاه المصالح العربية وربما سيتم الضغط على إسرائيل لقبول حل الدولتين وما يترتب عليه من عودة الحقوق للفلسطينيين، لكن لم يتغير أي شيء، لأن علاقة أميركا بإسرائيل أوسع من أن تكون مجرد علاقة سياسية أو اقتصادية مرتبطة باستراتيجيات الأمن القومي، بل هي علاقة عقائدية يلعب فيها العامل الديني دوراً أساسياً، وهي من ثوابت السياسات غير القابلة للتغيير، ويبدو ترامب أكثر وضوحاً وصراحة من أوباما بتهديداته لأعداء إسرائيل ومجاملة أصدقائها ومن يتسابقون للتطبيع معها، لا سيما الذين ساعدوا على تغيير الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع شيعي سني، وهذا هو المزاج السياسي الذي يتطابق مع ثوابت السياسة الأميركية.