منذ آذار المنصرم والسجال السياسي قائم بشأن حكومة التكنوقراط التي وعد بها السيد رئيس الوزراء، وقد نجح مؤخراً باختيار ستة بدلاء صوت مجلس النواب على خمسة منهم، ولم يحظ السيد يوسف الأسدي بالأصوات الكافية لشغل منصب وزير التجارة، وقد أثار هذا الأمر تساؤلات الشارع العراقي، لماذا لم يصوت عليه دوناً عن الآخرين؟
ما أوجه الاعتراض على الرجل؟ وقد فهم من ذلك أن الكتل السياسية لم تتوافق عليه، والأخوة التركمان أحدثوا ضجة لخلو الوزارة الجديدة من أحد مرشحيهم، وواضح أن الوزراء الجدد هم بدلاء عن وزراء التحالف الوطني الذين قدموا استقالاتهم، فماذا بشأن وزراء الكتل الأخرى؟ هل هم تكنوقراط ولا حاجة لاستبدالهم؟ أم الكتل الأخرى فوق مستوى الإصلاح؟
لا نشك بأن الوزراء الجدد هم من تنطبق عليهم معايير المهنية والكفاءة والخبرة والنزاهة، ولكل منهم سيرة علمية ومهنية مشرفة، وربما كان للسيد العبادي الدور الأهم في اختيارهم، من بين عدة مرشحين قدمتهم الكتل، بمعنى آخر إن المحاصصة قائمة، لكن باختيارات مفتوحة نوعاً ما، ولو أننا نستشف من بعض الوقائع ضغوطاً مستمرة تكبل السيد رئيس الوزراء، المحاصصة لا تزال تشكل عقبة في مسيرة الإصلاح، وأمامنا بقية من جولة التطعيم التكنوقراطي بالنسبة للوزارات الشاغرة، مع وجود الحاجة الماسة لتغيير وزراء آخرين، لكن ماذا بشأن المناصب الأخرى؟ الوكلاء والمستشارين والمدراء العامين والتابعين بإحسان وتابعي التابعين؟ وهم الحلقة الأهم في نظرنا من ناحية المعايير المهنية؟ كم نحتاج من الوقت لاستبدال غالبيتهم ما لم نقل جميعهم؟ فاستبدال خمسة وزراء استغرق حوالي خمسة أشهر، فكم سيستغرق استبدال عشرات المناصب الأخرى؟
هناك مفصل مهم أشار إليه رئيس الوزراء، هو الهيئات المستقلة، فهل هي مستقلة حقاً؟ أقصد هل تم اختيار أعضائها ورؤسائها على وفق المعايير المهنية، هل جاؤوا عن طريق الترشح عبر الانترنت وقدموا سيرهم ضمن مئات المواطنين الذين تقدموا؟ هل خضعوا للمفاضلة مع الآخرين؟ فهيئات كموفضيتي الانتخابات وحقوق الإنسان والاتصالات والبث والإرسال وغيرها لا تقل أهمية عن بعض الوزارات، ما لم نقل إن عمل بعضها أكثر سعة وخطورة، وقد وعد السيد العبادي بتقديم قائمته الجديدة للهيئات المستقلة على أمل أن تساعده الكتل على انتشال هذه الهيئات من هاوية المحاصصة واعتماد معايير الاستقلالية والمهنية، فبحسب معلوماتي إن الكتل لا تمرر أي مرشح إلا بثمن.
ويبقى الإصلاح الأهم والأجدر هو تحرير الموصل وبقية مدننا من دنس عصابات داعش الإرهابية، وهو الأمر الذي يحاول بعضهم إخضاعه للتوافق أيضاً، متيحين الفرصة للانتهازيين وتجار السياسة والحروب لاستغلال الأوضاع وفرض واقع جغرافي وسياسي آخر، فالأصوات النشاز التي تعالت قبيل تحرير الرمادي والفلوجة وصلاح الدين وغيرها من مدننا المحررة تعاود الصراخ من جديد بالمحاذير ذاتها التي راهنت عليها سابقاً، ونبقى نحن المواطنين ننتظر بشائر النصر، إذ لا ناقة لنا ولا جمل في التغييرات الوزارية أو في الهيئات المستقلة وبقية المناصب، اللهم إلا إذا شمل الإصلاح تغييرنا بمواطنين تكنوقراط، فبلا محاصصة رجاء.