الكرادة مرة أخرى.. أظن بأننا لا نحتاج أن نسأل: لماذا الكرادة؟! فلم يعد سؤال كهذا ذا جدوى، وفي كل مرة عصابات داعش تتبنى الجريمة، وتنشغل الناس والأجهزة الأمنية بكيفية حدوث الخرق الأمني، وتتخذ إجراءات إضافية مشددة، وتنطلق التبريرات وتجتاحنا بعض الأطراف المعنية وغير المعنية بسيل من الاتهامات المتبادلة، لم نكد نلملم جراحات الانفجار المروع الذي سبق عيد الفطر، وآثاره لم تزل شاخصة، واستبشرنا خيراً بعودة الحياة تدريجياً للمكان الذي أصبح المتنفس الأكثر ارتياداً في بغداد، وإذا بانفجارين جديدين يخلفان عشرات الشهداء والجرحى، فما تفسير ذلك؟ أبعد كل تلك الإجراءات الأمنية المشددة التي أعقبت التفجير السابق، والحيطة والحذر الشديدين يعاود الإرهابيون لاستهداف الكرادة؟
من أين يا ترى دخلوا؟ من أين قدموا؟ أين تم تفخيخ العجلتين؟ كيف اجتازتا الحواجز الأمنية؟ سيقول قائل بأن بعض الجهات حذرت الأجهزة الأمنية من تسلل بعض الدواعش مع العوائل العائدة للمدن المحررة، في حزام بغداد ومحيط سامراء، فلنفترض ذلك، لكن كيف تمكنوا من الدخول للكرادة؟ أين أجهزتنا الأمنية؟ أين الخطة الأمنية التي وضعت خصيصاً للكرادة؟ من المؤكد بأننا سنقول إنه فعل جبان وجريمة نكراء تستهدف المدنيين الأبرياء، وهي ردة فعل على الانتصارات التي حققتها وتحققها قواتنا الأمنية، لكن إلى متى نبقى ضحايا لردات فعل الدواعش؟ أما من حل حقيقي؟
نتحمل يومياً الوقوف في طوابير السيطرات الأمنية، ونقول لا يهم طالما أنها وجدت لحمايتنا، ونتعرض للتفتيش ونتقبل الأمر برحابة صدر، ونعبر عن امتناننا لرجال السيطرات من مختلف الصنوف، لما يتحملونه من حر وبرد وتعب وما يبذلونه من جهد لحماية أمننا، لكن نضطر أحياناً للتساؤل: ما جدوى تلك الجهود ما لم تمنع مرور سيارتين مفخختين إلى منطقة أصبحت محط أنظار الجميع من الناحية الأمنية؟ الأجهزة الأمنية كثفت في الآونة الأخيرة جهودها لحماية الكرادة، ومن يرى الإجراءات لا يشك ولو للحظة بحدوث خرق أمني جديد، بالمقابل فإن إرهابيي داعش مصرون -على ما يبدو- على استهداف الكرادة لأسباب عديدة لا مجال للخوض فيها، لكن هذه المرة كان هناك سببان إضافيان يصبان في خانة الإعلام الداعشي: الأول هو الإيغال بتحدي مشاعر الناس وتجسيد الروح السادية بالتلذذ في إيذاء العراقيين الذين لم تطوِ قلوبهم صفحات الحزن على فقد المئات من النساء والأطفال والشباب في التفجير الإجرامي السابق، بمثابة الثأر لقتلاهم الذين نفقت جثثهم في البراري. والثاني تحدي الأجهزة الأمنية باختراق الإجراءات الجديدة وزعزعة ثقة المواطن بها، وكل ذلك يصب في مجرى العقيدة الداعشية المضادة للحياة، لأن الكرادة صورة حية لحب العراقيين للحياة، فهي موسم أفراحهم ومناسباتهم، وكرنفال أعيادهم، هي مقاهيهم الثقافية والشعبية، ومطاعم أنسهم، وواجهات أزيائهم، الكرادة عراق مصغر سواء في سكانها أم روادها، وإن أطلق عليها ذات أغلبية شيعية، لكن المؤكد أنها مزيج مجتمعي متجانس من كل ألوان الطيف العراقي، وهو ما يغيض داعش وأشباهها.