ونحن نخوض حرباً مقدسة ضد عصابات داعش الإرهابية هناك على ما يبدو دواعش آخرون لا يقلون خطراً عن أولئك القتلة المجرمين، مثل دواعش الفساد الذين يعبثون بمصالح المواطنين، ويهدرون المال العام، سواء بالسرقة والاختلاس أم بالالتفاف على القوانين أو برداءة الأداء وسوء الخدمات، فضلاً عن عمليات الغش والابتزاز والمحسوبية والرشوة والروتين والبيروقراطية وإهمال حقوق المواطنين أو مصادرتها، بل إن الظاهرة الداعشية امتدت للأسف الشديد إلى الإعلام، ولا نعني الإعلام الداعشي المعروف أو ذلك الإعلام الذي يدعم الفكر التكفيري المتطرف كواحد من المرتكزات الأساسية لداعش ولمختلف الجماعات الإرهابية التي تسعى لزعزعة أمن المنطقة والعالم.
إن الإعلام الذي نقصده ليس إعلاماً تقليدياً، لا صحف ولا مجلات ولا إذاعات ولا حتى قنوات فضائية، إعلام رخيص لا يحتاج إلى رأسمال مادي كبير، كما لا يحتاج إلى رأسمال مهني أو أخلاقي، ليس أكثر من أغانٍ وصور ملفقة وأخبار كاذبة عن شخصيات عامة ومسؤولين وغالباً رجال أعمال لا يمتلكون أية قوة أو سلطة تحول دون تعرضهم للتشهير وتشويه السمعة، وليس أمامهم سوى الاستسلام لعمليات الابتزاز التي يمارسها أصحاب الإعلام الداعشي الجديد، مواقع فضائية تشبه مواقع الدعاية والإعلان عن بعض العقاقير الطبية والأبراج وقراءة الطالع والسحر والشعوذة والألغاز الساذجة التي تستدرج المراهقين والصبيان.
قد يبدو لبعضهم أن هذه المواقع التي تبث خزعبلاتها عبر الستلايت تحاول فضح المفسدين عملاً بحرية الإعلام، لكن في الواقع إنها مثال حقيقي لاستغلال مهنة نبيلة كمهنة الإعلام لأغراض غير نبيلة، بل إن وجودها يشكل إساءة للإعلام والإعلاميين، وما هي إلا دكاكين للتسول واستغلال الآخرين، فأحد أصحاب هذه الدكاكين أعلن في وقت سابق عن إنشاء فضائية تحت مسمى معين، لكن على ما يبدو اختلف مع رجل أعمال معروف كان قد وعده بتمويل فضائيته المزعومة التي لا تستحق الاسم العراقي الذي أطلق عليها، فما كان أمامه إلا أن يكتفي بموقع رخيص لا يبث سوى الأكاذيب، وبعد كل أكذوبة هناك عملية مساومة مخزية قيمتها خمسة آلاف دولار أو أكثر وربما أقل، على أن ذلك الدعي المتاجر بسمعة الآخرين بما يتنافى والقيم الأخلاقية والأسس المهنية للإعلام، صدرت بحقه عشرات أوامر القبض القضائية بناء على الدعاوى التي قدمها العديد من المتضررين، متصوراً أن إقامته خارج العراق ستبقيه بمنأى عن المساءلة القانونية، وقد بلغ الأمر أن يتبرأ منه أهله عشائرياً.
تحاشيت ذكر الأسماء الصريحة عملاً بالمهنية، لئلا يدخل الموضوع من باب التشهير، فقد كنت شاهداً على قضايا ملفقة بحق أشخاص أبرياء، شبان كانوا في سفرة سياحية حدثت لهم مشكلة مع إحدى السيطرات تحولوا عبر ذلك الموقع إلى إرهابيين فجروا الكرادة، بعدما سرب أحدهم صورة مشينة لهم، وتخيلوا ما تشكله مثل هذه التهمة الخطيرة من حرج لأولئك الشبان، ما لم نقل كانت بمثابة تحريض ضدهم وتشويش للجهات الأمنية، ولا يسعنا سوى انتظار إجراءات قانونية حازمة لمكافحة دواعش الإعلام.