منذ بدء عمليات تحرير نينوى والجميع يترقب اللحظة الحاسمة للشروع بتحرير مدينة تلعفر، وكانت العديد من فصائل الحشد الشعبي على أهبة الاستعداد، لكن هناك ضغوطات إقليمية ومحلية لا تزال معترضة، المدينة التي يعدها المجرم البغدادي أهم من الموصل، ويعدها المراقبون الدوليون عقدة الصراع الإيراني التركي في معركة نينوى وما بعد تحريرها، ويعدها الكرد امتداداً لكردستان، وتركيا تعدها محمية تركية لأن سكانها أغلبهم تركمان سنة، وإيران تعدها منفذاً لها بين العراق وسورية، والحكومة المركزية تعدها نقطة استراتيجية لحماية أمن العراق، وأثيل النجيفي يحذر من أعمال إرهابية قد يرتكبها الحشد الشعبي بحق السنة، ويتناسى أن الحشد الذي أسهم مساهمة فعالة في تحرير مدينته التي احتلها داعش على عهده وحمى سكانها لم يسجل عليه انتهاك واحد منذ بدء العمليات، الإدارة الأميركية هي الأخرى تضغط باتجاه إبعاد الحشد الشعبي عن تلعفر، أطراف إقليمية عربية عزفت على النغمة ذاتها، فما الذي تعنيه تلعفر بالنسبة للجميع؟!
مؤكد أن تلعفر التي تعد من أكبر الأقضية العراقية، إذ تتبعها إدارياً ثلاث نواحي هي ربيعة وزمار والعياضية، تتمتع بأهمية استراتيجية بسبب موقعها الجغرافي في مركز المثلث الحدودي العراقي السوري التركي، وهي نقطة الوصل بين الموصل ومدينة الرقة السورية معقل داعش، وقد كانت تلعفر معقلاً لتنظيم القاعدة وشهدت عدة عمليات عسكرية كبيرة، واليوم هي واحدة من المدن التي يركز فيها داعش قوته، لكونها تؤمن له حرية التحرك بين الرقة والموصل، وبين الموصل وتركيا إذا اقتضى الأمر، وبما أن هناك قوى إقليمية ومحلية لا تزال تحتفظ بأوراق ضغط وأهداف سياسية تتعلق بوجود داعش، فإن عرقلة تحرير تلعفر تطيل من عمر داعش في الموصل، فالواقع أن تحرير تلعفر نقطة حاسمة في هزيمة داعش نهائياً، والبعض يحاول إرجاء الأمر لحين تحقيق مبتغاه.
البعض تصور أن انطلاق فصائل الحشد الشعبي بمساندة القوات الأمنية وطيران الجيش لتحرير قضاء الحضر والقرى المحيطة به هو تمهيد لدخول تلعفر، لكن لم يكن الأمر كذلك، بل هو إبعاد للحشد عن محور تلعفر، ربما هي محاولة دبلوماسية من الحكومة المركزية، لإعطاء الحشد الشعبي واجباً تكتيكياً، فالحضر تقع على الجنوب من تلعفر، واقتراب قوات الحشد سيشكل عمقاً لأية قوات ستضطلع بمهمة تحرير تلعفر، ونتوقع أن تكون هناك خطوة قادمة، هي تركيز قوات الحشد من المحور الجنوبي لتلعفر، وإعطاء المحاور الأخرى للقوات الأمنية، لا سيما مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية التي ستتولى مهمة مسك الأرض، وتكون مهمة الحشد الشعبي السيطرة على الحدود بين مدينة الرقة السورية وحدود مدينة الموصل، على أن يكون هناك دور لقوات البيشمركة من جهة قضاء سنجار الذي يحد تلعفر من الجهة الغربية، وبهذا يمكننا تحرير تلعفر وكامل أراضي نينوى، ونخرس الأصوات النشاز ونفشل المخططات الإقليمية والمحلية التي تريد اتخاذ تلعفر قميص عثمان لإدامة الصراع في المنطقة.