في ظل الانفلات الأمني على أيام النزاع الطائفي - وقانا الله شره- انتشر نوعان من عمليات الخطف الأول: سياسي طائفي تقوم به الجماعات المسلحة لغرض التصفية الجسدية، والثاني: جنائي لغرض مساومة ذوي الضحايا وابتزازهم، بعد تخطي محنة الطائفية واستتباب الحال نوعاً ما، انحسر النوع الأول، وعاد إبان الاعتصامات وتصاعدت وتيرته مع داعش، أما النوع الثاني فأوشك على الاختفاء، لكن ظهرت عمليات خطف من نوع ثالث، المساومة فيها سياسية أكثر منها جنائية، فمن خطف الصيادين القطريين والسعوديين إلى خطف بعض الإعلاميين والناشطين، هناك مسلسل لا يراد له أن يتوقف.
مهما كانت الأسباب والمبررات فإن عملية خطف إنسان وترويعه تعد جريمة إرهابية، من حق الأجهزة الأمنية المختصة أن تستدعي أو تلقي القبض بمذكرات قبض رسمية بحق من تشتبه بهم، أو بحق مطلوبين للعدالة وفق القانون، ومن حق أي شخص أو أي جهة إقامة الدعاوى الرسمية أو إخبار السلطات عن المشبوهين وهي التي تتخذ الإجراءات الأصولية، حتى من ينتمون للجماعات الإرهابية المسلحة هم متهمون حتى تثبت إدانتهم، فلا يحق لأية جهة التعامل معهم بأسلوب الخطف، ومع ذلك تشهد الساحة العراقية بين آونة وأخرى عمليات خطف، لنقل (سلمية) تستغرق عدة أيام بعدها يتم إطلاق سراح الضحايا.
ترى من يغذي حلقات هذا المسلسل؟ البلد في حالة حرب ضد الإرهاب، وهي حرب مفتوحة، تتعدى حدود المناطق المحتلة، فبأي إطار يمكننا أن نضع هذه العمليات؟ رب قائل يقول إنهم لا يقتلون الضحايا، مجرد تحقيق أو تخويف، طيب من هم؟ أقصد الذين يقومون بالخطف؟ ولصالح من؟ لمصلحة من يتحول البلد إلى ساحة مفتوحة لجهات تعبث بأمن المواطن واستقرار المجتمع؟ ما الرسالة التي يراد إيصالها للآخرين؟ ألا ترون بأن من يقوم بمثل هذه الأعمال إنما يتحدى الدولة والمجتمع ويقول بأننا فوق الجميع؟
لقد تم إطلاق سراح الناشطين السبعة، لكن هل سيتوقف مسلسل الخطف؟ أم سيتم تعديل بعض مشاهده بصيغة دراماتيكية أعمق كالاغتيال مثلاً؟ لن يتوقف وسيتكرر ما دام الجناة خارج طائلة القانون والعدالة، مهما كانت الأسباب والمبررات لا يحق لأي جهة أن تنتقص من هيبة الدولة بأعمال إجرامية تنطوي على نوايا مبيتة لقمع الحريات المكفولة دستورياً، وترويع المواطنين العزل، وتحدي المجتمع بكل مكوناته ومختلف ميوله ومعتقداته، وليس هناك من هو فوق القانون.
في العام 1968 حين عمت المظاهرات الطلابية عموم فرنسا، دخل جان بول سارتر على الرئيس شارل ديغول وقال له: اطلق سراح فرنسا، فما كان منه إلا أن يسمح بنشر ما كان يسمى (كتابات الليل) التي كان الطلبة يتداولونها سراً، البلدان التي شهدت تحولات حضارية حقيقية بعد حروب وانتكاسات وكوارث لم تنهض بقوة السلاح ولا بالفوضى، وإنما بالعلم والحرية، فاطلقوا سراح الوطن يا من تعتقدون بأنكم قابضون عليه متلبساً بالعلمانية.