(أم قصي) المرأة العراقية التي اغتالت عصابات داعش زوجها وولدها، لم يرهبها الداعشيون، فقد تحدتهم بكل ما يمتلكون من وحشية واستهتار بالنفس البشرية التي حرم الله قتلها، تحدت عنجهيتهم وطائفيتهم وتكفيريتهم وخبأت (25) شاباً عراقياً من موت محتم في مجزرة سبايكر سيئة الصيت، جازفت بحياتها وحياة أسرتها لتختزل شهامة التاريخ وشجاعته بموقف وطني وإنساني مشرف، إنها أحيت الناس جميعاً وزادت على ذلك أضعافاً، بل أحيت في مَنْ خمدت جذوة الوطنية في نفسه روح الوطنية وروح الإسلام الحق، ووخزت بعض الضمائر التي أماتها الحقد ودفنتها المنافع.
أم قصي لم تفكر بما سنقوله عنها، ولا بما ستناله جزاء لموقفها، وإنما فكرت بعراقيتها وبإسلامها وبعروبتها وبإنسانيتها، وضعت نفسها مكان(25) أماً جنوبية، وشعرت بعمق المسؤولية الأخلاقية، التي باتت مفقودة لدى البعض، احتضنت العراق كله وحنت عليه كأم رؤوم، وقالت:
(كلهم أولادي)، أين التي هلهلت خوفاً أو حماسة لإعدام عراقي من قبل داعش؛ من أصالة أم قصي؟! بل أين بعض الرجال والمشايخ وأمراء القبائل من باعوا عراقيتهم من هذه الأم العراقية التي سجلت هي وأسرتها ملحمة بطولية لن تتكرر؟
فقد اختزلت طيبة الغالبية العظمى من العراقيين وشهامتهم وقلوبهم العامرة بالإيمان والمحبة، وقليل بها المديح والإطراء.
أم قصي ليست مجرد حكاية عابرة من حكايات الحروب، إنما هي أمثولة يفخر بها كل عراقي أصيل، ويتغنى بها تاريخ الأبطال الأفذاذ، بل هي أمثولة للشعوب الحية للوقوف بوجه الإرهاب وعصابات القتل والتكفير والتطرف، هي امتداد حي للشهيدة البطلة أمية جبارة، وامتداد لطوعة التي آوت مسلم بن عقيل(رض) من إرهابيي ذلك الزمان، امرأة لا ثمن لبطولتها ولا يوزن ذهب الدنيا وماسها مثقال ذرة مما قدمت لوطنها الجريح المبتلى، هي لم تنقذ(25) عراقياً فحسب، وإنما دافعت عن غيرتها العراقية، وشرفها العراقي، ووحدة الدم والتاريخ وحليب الأمهات الذي يجري في عروق أمهاتنا كمجرى الرافدين العظيمين.
أم قصي انتفضت على تخاذل البعض، وتحدت كل الخنازير الضالة التي اجتمعت من شتى أنحاء الأرض لتدنس أرض العراق، عملت بأصلها وطيب منبعها، لأنها من بيت عراقي أصيل شهدت له ساحات الوغى، ولم تنجسه الداعشية بأنجاسها، ولم يسجدوا لأصنام الضلالة والتكفير، عشيرة جبور البطلة الصامدة المجاهدة التي لقنت الدواعش درساً بليغاً لن ينسوه، ابنة المضايف والدواوين والدلة والفنجان كما قالت، ابنة دجلة والفرات، النخلة التي ستبقى شامخة، جذورها أبداً في عمق أرض العراق وسعفها يطاول السماء، تستفز الأوغاد وتوخز قلوبهم السوداء المليئة بالحقد، ويستظل بها الشرفاء من أبناء العراق الذين جادت عليهم بطيب رطبها وأفيائها، لك يا أم قصي في قلب كل عراقي شريف باقة محبة ونصب أعيننا (25) تمثالاً من ذهب.