سلام على دموع أمهات الشهداء،
سلام على انحناءات آبائهم على نعوشهم وقبورهم،
سلام على وحشة الليالي التي تمر على أراملهم،
سلام على ضحكات أطفالهم البريئة،
سلام على التراب الذي طهرته بساطيلهم،
سلام على دمائهم الزكية الطاهرة التي بذلوها بنبل وإباء، سلام على الجرحى وعلى كل قطرة دم نزفوها كي نتحرر من دنس الدواعش، احفظوا هذه الديون أيها العراقيون الشرفاء، ولنبتهج بهذا النصر المشرِّف لأن دماء شهدائنا الأبرار لم تذهب هباء، وقرة أعينهم وهم في صفوف الأنبياء والأوصياء والقديسين والمجاهدين في جنات الخلد.
خضنا حروباً كثيرة، نحن العراقيين، في تاريخنا المعاصر، وكلها كانت قابلة للبس، أما حربنا ضد عصابات داعش الإرهابية فهي الوحيدة التي لا لبس فيها، حق بيِّن وباطل مؤكد، إنها حرب من أجل الأرض والعرض والإنسان والكرامة والدين والعقيدة الإنسانية، عدو تمادى بكل عنجهيات التاريخ وتسلح بكل قوى الظلامية وابتدع ديناً جديداً باسم الإسلام، ديناً ضد الوجود الإنساني، لا شريعة له سوى الذبح وسفك الدماء وانتهاك الحرمات، عصابات داعش لم تحتل الأرض فحسب وإنما سعت لتخريب العقول وإفساد السرائر وتشويه النفس البشرية وإيهام البصائر، فتبعهم من تبعهم من ضعاف النفوس ومهزوزي الضمير والعقل والعقيدة، وراهن عليهم أمراء الباطل وتجار الفتنة، لكن إرادة العراقيين خيبت آمالهم، وألقت بهم ومن تبعهم إلى مزابل التاريخ.
نصرنا المؤزر لم يكن انتصاراً عسكرياً على مستوى الأداء الميداني والبطولي لجميع قواتنا بمختلف صنوفها وتشكيلاتها، وإنما كان انتصاراً أخلاقياً، تجسدت خلاله الروح الإنسانية لمقاتلينا الأبطال الذين تحلوا بأخلاق الفرسان النبلاء في تعاملهم مع المدنيين الأبرياء، وضحوا وصبروا وأطالوا أمد الحرب حفاظاً على المواطنين الذين اتخذهم الدواعش الجبناء دروعاً بشرية، لقد أديرت المعارك بحكمة ومهنية قتالية قل نظيرها، من دون شعارات وادعاءات ومن دون ضجيج إعلامي، كانت المهنية في كل شيء، حتى في تأخر إعلان بيان النصر، وفي صياغته السلسة.
الانتصار في الموصل له طعم خاص، فهي ليست أعز على قلوبنا من ديالى أو صلاح الدين أو الرمادي، لكنها تاريخياً وحضارياً وثقافياً وجغرافياً واقتصادياً وبشرياً ورمزياً تعد ثالثة الأثافي مع بغداد والبصرة، فهي الركيزة الشمالية للعراق، وقد شكلت بالنسبة لداعش عاصمة انطلقت منها دولة الخرافة في أول خطبة للمجرم المدعو البغدادي، وتحريرها يعني تحرير العراق بأسره من شبح داعش وراياتهم المعتمة السوداء التي خطوا عليها الشهادتين زوراً وبهتاناً.
النصر كان عراقياً بمعنى الكلمة، فخلف قواتنا العسكرية والأمنية كانت هناك قوة دعم شعبية حقيقية استنهضت الهمم بفضل فتوى الجهاد الكفائي لسماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني(دام ظله) إذ أصبحت قوات الحشد رقماً صعباً حيَّر الأعداء وأسقط أساطير وحشيتهم التي روج لها إعلامهم، إنها وقفة تاريخية لن تنسى لكل من أسهم بصنع النصر من جنود وطيارين وقادة وشرطة اتحادية وحشد شعبي وعشائري وبيشمركة وإعلاميين ومواطنين تطوعوا في قوافل المساعدات والدعم اللوجستي.