كثر المتباكون على الموصل بعد تحريرها، وكثرت تقولات المغرضين ممن كان يرى في داعش بديلاً عن نظام الحكم، أئمة مساجد وخطباء يتوعدون الناس بأيام سوداء بعد سقوط دولة الخرافة، ووسائل إعلام تختلق الأكاذيب لتطعن بقواتنا المسلحة وحشدنا الشعبي، ومنظمات غضت الطرف عن كل جرائم داعش علا صوتها بلوائح حقوق الإنسان، وسياسيون كانوا سبباً في سقوط الموصل أصبحوا أبطالاً وراحوا يصرحون بشروط واشتراطات، وبينما نرى العالم بأسره يهنئ الشعب العراقي نرى بعض القوى العربية والإسلامية تتردد حتى في إبداء رأي خجول بما تحقق في الموصل. في عصر العولمة والسوشل ميديا كل شيء أصبح مكشوفاً، وكل شيء أصبح قابلاً للتزييف، لكن ما يتم تزييفه لا يصمد أمام الحقائق الدامغة، فكل ما لفقوه من روايات ومقاطع مزيفة لا تصمد أمام مشاعر الفرح في عيون الأسر الموصلية التي وجدت فرصاً للوصول إلى قواتنا الأمنية، إذ يمكننا تزييف كل شيء إلا صدق المشاعر، ولقد شهد القاصي والداني بالتعامل الإنساني الذي لقيه المدنيون على أيدي الأبطال المنتصرين على الرغم من الظروف المعقدة للمعارك، فقواتنا المسلحة ليست أمام جيش نظامي، وليست أمام شعب يدافع عن أرضه، إنما هي أمام عصابات خطفت المدينة وأسرت المواطنين، وكان هدفها مزدوجاً بين التخلص من العدو وإنقاذ حياة المواطن، علاوة على أن العدو قد اتخذ من المواطنين دروعاً بشرية وحجزهم داخل البيوت، ودس المفخخين بينهم، وفخخ البيوت ومنعهم من مغادرتها، وكان القناصون بالمرصاد لمن يجد فرصة للتسلل نحو قواتنا الأمنية.
العالم بأسره توصل إلى نتيجة واقعية، نحن لمسناها لمس اليد، هي إن الانتصارات لم تأتِ بعوامل الغلبة العسكرية فحسب، وإنما تحققت من خلال وحدة الإرادة العراقية، وهذا ليس شعاراً مجرداً، لقد تخطى المقاتلون من مختلف الصنوف والتشكيلات، من قواتنا المسلحة وشرطتنا الاتحادية والحشد المقدس والحشد العشائري وكذلك قوات البيشمركة التي ساندت قوات التحرير في بعض المواقف، ولو كانت النوايا خالصة للوطن، بعيداً عن مصالح السياسيين وارتباط مشاريعهم بالغير، لكان الحسم أسرع. انتصرنا بوحدتنا على الرغم من كل العراقيل التي حاول البعض وضعها، وخرجنا في لحظة تاريخية حاسمة من قمقم الطائفية الذي كان يخنق البعض، ولا يزال البعض الآخر مختنقاً بهوائه الفاسد المتعفن، ويفترض أن نتخذ من هذه اللحظة منهجاً أخلاقياً يسبق السياسة ويتغلب على المصالح الآنية والذاتية الضيقة، بتغليب مصلحة الجميع على الفئات والأفراد، وتغليب مصلحة الوطن على المصالح المناطقية، فلا كردستان ستنعم بدولة مستقلة بعيداً عن العراق، ولا أي إقليم آخر سيواجه المخاطر بمفرده، لنكن واقعيين، وندرك أن أي تفتيت للعراق سيجعل من أجزائه لقمة سائغة للقوى الإقليمية التي تريد بنا الشر، لأن عراقاً مستقلاً قوياً لا ينسجم ومصالحها، وما علينا إلا أن ندخر لحظة التوحد للمعارك المقبلة، ضد الفساد والطائفية وكل ما يزعزع أمن الدولة والمجتمع.