إن أساليب القسوة التي مارستها عصابات داعش بحق المواطنين في المدن التي كانت تحتلها، ستكون لها آثار نفسية مؤثرة، لا سيما لدى الأطفال والنساء، وهذا لا يعني وستتحول إلى أقصى درجات السلبية عند فئة الشباب، فإذا كان كبار السن قادرين على تجاوز المحنة بما يمتلكون من تجارب حياتية، وما يتمتعون به من روية وتعقل واتزان سلوكي بحكم أعمارهم، فإن الشباب سيجدون أنفسهم بدوامة من القلق، بين أحلام أوهمهم بها البعض، وواقع مرير عاشوه تحت سطوة تلك العصابات الضالة.
من الطبيعي جداً أن تفكر الأجهزة المختصة في الدولة وكذلك بعض مؤسسات المجتمع بإعادة تأهيل بعض تلك الفئات نفسياً، وإخضاعهم لبرامج تعيد انسجامهم مع الحياة واندماجهم مع المجتمع، ذلك أنهم فقدوا الثقة بكل الخيارات التي أوصلتهم إلى ما وصلوا إليه في ظل دولة الخرافة، فعمليات الشحن الطائفي لم تتوقف منذ سقوط النظام الدكتاتوري حتى اليوم، هناك جهات دولية وإقليمية ومحلية تضافرت جهودها ورصدت ملايين الدولارات لتغلق كل أبواب التعايش المجتمعي، داعش وقبلها القاعدة والعديد من الجماعات المسلحة ما هي إلا أدوات جعلت من الفرقة واقع حال بما مارسته من عنف دموي يستجمع كل أحقاد التاريخ، ويستحضر كل أسباب الفتنة، لكن بالمقابل هناك وعي جمعي بدأ يدب في أوصال المجتمع التي خططوا لتقطيعها. إن العديد من شعوب العالم مرت بأسوأ مما مررنا به، لكن الأطراف المتناحرة أدركت لا جدوى تلك الصراعات، إذ لا يمكن لأي جماعة أن تفني جماعة أخرى تختلف معها في الرأي أو العقيدة، ولا حل إلا بالتعايش السلمي المبني على احترام الآخر، وكل الحروب لها آثار نفسية مدمرة، لكن سرعان ما يفرض الواقع اشتراطاته لتجاوز تلك الآثار، قد لا يتحقق الأمر بالسرعة التي نتمناها، والسؤال الأهم هو: كيف؟
أعني كيف نؤسس لمشروع وطني يعيد للمواطن العراقي ثقته بالحياة؟ ويزيح عن كاهله أعباء الخوف من الآخر وفقدان الثقة به؟ نحتاج ربما مبدأ واحد هو مبدأ المصلحة العليا للدولة والمجتمع، وعليه تبنى البرامج التربوية المؤهلة، لا بطريقة الوعظ المنبري أو المدرسي، وإنما بالعمل والسلوك وإشعار مختلف فئات المجتمع بالعدالة والمساواة، وهذا لا يتم إلا بسلطة القانون، لدينا قوانين تدعو للحفاظ على المصالح العليا، وأخرى تعاقب على ممارسة التطرف والتكفير، وغيرها تؤكد الحفاظ على الحريات الخاصة والعامة، لكن ما مدى تطبيق تلك القوانين عملياً، هناك شعور محبط لدى المواطن العراقي سببه الفساد الذي مورس بأعلى درجاته، فضلاً عن المحاصصة التي حرمت البلاد من الطاقات الخلاقة المبدعة، إلى جانب ضعف الخدمات العامة، ما يدفع بعضهم إلى التشبث بمنقذين يستغلون تلك الثغرات، لسنا بحاجة إلى مشاريع سياسية تلعب بأهواء الناس، وإنما بحاجة إلى مشروع دولة لتنفيذ القوانين وتقديم الخدمات، عندها سيكون المواطن ملزماً بالدفاع عما يحقق له حياة آمنة يحقق فيها قيمة وجوده.