عندما تقع أية دولة تحت تهديدات قوى خارجية، سواء أكانت دولاً أو عصابات، من حقها أن تستجمع كل قواها لتدفع الخطر، لأن الدفاع عن الوطن مسألة أخلاقية قبل أن يكون موضوعاً سياسياً، فالميليشيات أو الجيوش الشعبية تتشكل تلقائياً بدون أوامر من حكومة أو جهة معينة، هكذا فعلت فيتنام وبعض دول أميركا اللاتينية وأوربا الشرقية وروسيا وغيرها وهكذا فعل الفلسطينيون، وقد كانت فصائل المقاومة الإسلامية التي تبنت مشروع مقاومة الاحتلال الأميركي النواة الأولى للحشد الشعبي، وقد توجتها فتوى الجهاد الكفائي التي وجهت أنظار العراقيين إلى عدو واحد هو داعش، الجيوش النظامية قد لا تفي بالغرض، ومن الطبيعي أن تساندها جموع الشعب التي تهب للدفاع عن أوطانها ووجودها، ولا أحد يستطيع إنكار الدور الحيوي الفعال لحشدنا الشعبي المقدس في سحق عصابات داعش الإرهابية، ومهما حاولت بعض القنوات الإعلامية المغرضة تشويه الصورة الحقيقية لأبطال الحشد، بقيت الصورة ناصعة لا من وجهة نظرنا، بل من وجهة نظر سكان المناطق التي كانت تحتلها داعش، وهنا نتحدث عن المبدأ وعن المنهج القتالي والأخلاقي لقوى الحشد عموماً.
الحشد الشعبي لم يعد ميليشيات تنتمي لتيارات سياسية، ولم يعد مجرد مقاومة شعبية تشكلت بناء على فتوى دينية، وأيضاً لم يعد ممثلاً لطيف معين، إنما فتح أبواب التطوع للسني والمسيحي والأيزيدي، وقد شرع البرلمان العراقي قانوناً خاصاً ليكتسب الصفة القانونية، بمعنى آخر أصبح الحشد الشعبي جهازاً أمنياً من أجهزة الدولة بإمرة القائد العام للقوات المسلحة، فما معنى اعتراضات البعض؟
بعض دول الجوار لا تزال مصرة على وجهة نظر ضيقة جداً حاولت بعض القوى المحلية والإقليمية ترويجها، مفادها إن الحشد ما هو إلا ميليشيات شيعية مدعومة من إيران، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك مصورين للرأي العام أن المشروع الأساسي للحشد هو إبادة السنة، وهذه المغالطات لم تصمد أمام الواقع، فالحشد كان رأس الحربة في تحرير المناطق السنية من الاحتلال الداعشي المقيت، وحارب بإمرة القيادات الميدانية إلى جانب قواتنا المسلحة البطلة وقوات الشرطة الاتحادية، وبعضهم تمادى إلى حد اعتبار الحشد الشعبي وجهاً آخر لداعش، كأنه يريد القول:
إذا كانت داعش تمثل إرهاباً سنياً فالحشد يمثل إرهاباً شيعياً، والواقع إن داعش لا تمثل السنة مطلقاً، بل إن السلفية الوهابية التي تعد المرجعية الفكرية والتشريعية لداعش لا تمثل السنة أيضاً، بالمقابل لم يشهد الواقع أي نزوع لتحول الحشد إلى قوة احتلال أو تأسيس دولة أو القيام بأعمال مشابهة لجرائم داعش التي يندى لها جبين البشرية ولا مجال للمقارنة.
بناء على ذلك فإن الحكومة مطالبة بوقف الحملات الإعلامية المسعورة ضد الحشد بوصفه مؤسسة من مؤسساتها الأمنية، والتحرك دبلوماسياً لتوضيح الصفة القانونية التي بات الحشد يتمتع بها، فالتقارب الدبلوماسي مع بعض دول المنطقة لا يبيح لها التدخل بشؤوننا الداخلية ولا يمنحها حق المساس بمؤسسات الدولة.