شهدت الساحة العراقية مؤخراً حراكاً دبلوماسياً ملحوظاً، لا سيما مع المحيط العربي، ومع دول كانت إلى وقت قريب منغلقة على العراق، وبصورة عامة فإن العرب منذ سقوط النظام الدكتاتوري حتى الآن يعلقون انغلاقهم على شماعة النفوذ الإيراني، فهل تغير موقف الحكومة العراقية من إيران؟
من المؤكد إن عراق ما بعد صدام ارتبط بالجارة إيران بعلاقات طيبة، فهي أول دولة اعترفت بشرعية النظام الجديد وسعت إلى دعمه، لا ننكر وجود علاقات مع كتل سياسية وأحزاب بلغت حد التدخل، لكن بالمقابل هناك كتل وأحزاب أخرى لم تتردد في كبح جماح تلك التدخلات، وأيضاً هناك كتل وأحزاب ارتبطت ببعض دول الجوار كتركيا وقطر والعربية السعودية وغيرها، وقد بلغت أيضاً حد التدخل، فالدول تسعى إلى ما يحمي مصالحها ويحقق لها نفوذاً في العراق، ولطالما أضرت جميع التدخلات بالمصلحة العراقية.
قد يرى البعض إن السياسة العراقية تغيرت باتجاه إيران لتفسح المجال لبعض الأطراف العربية، وهذا ليس بصحيح، وقد يظن البعض الآخر بأن السياسة العراقية على عهد السيد العبادي سعت لتغيير بوصلة تحالفاتها، وهي سائرة بتغيير الاتجاه من الخط الروسي الإيراني السوري باتجاه الخط الأميركي الخليجي والعربي عموماً، وهذا ليس بصحيح أيضاً، ذلك أن الحكومة العراقية على الرغم من كل شيء كانت تعلن وتخطط لإقامة علاقات متوازنة في المنطقة، فالعلاقة مع إيران جداً طبيعية وضرورتها لا تقل أهمية عن العلاقة بالكويت وكذلك العربية السعودية، لسبب بسيط كونها خاضت حرباً ضروساً امتدت لثماني سنوات جرت على الشعبين الجارين مختلف المآسي والويلات، ومن المنطقي أن يسعى الطرفان لمحو آثار تلك الحرب اللعينة، وإعادة الثقة بين البلدين، إذ ليس من المعقول أن يستمر التوتر وتتواصل الكراهية، كذلك الأمر مع الجارة الكويت لما أنتجته عملية الغزو الصدامي لها من فقدان للثقة، وهذا لا يتعارض مع وجود اتفاقية أمنية وإطارية مع أميركا، كما لا يتعارض مع علاقات ومصالح مشتركة بيننا وبين جميع الدول العربية والإسلامية التي تختلف مع إيران، كذلك الأمر بالنسبة لتركيا.
نريد القول إن الموقف العراقي لم يتغير من إيران لحساب العلاقات العربية، لأنه أصلا لم يكن موقفاً مضاداً لمصالح الآخرين، بل هو موقف واضح لمحو العداء الذي خلفته الحرب، وفتح صفحة جديدة لتهدئة الأوضاع في منطقة الخليج، وعلى البعض أن يدرك بأن مصالح المنطقة لا تتحقق بإدامة العداء بين إيران وجيرانها، وإذا كان هناك تغير في المواقف، فهو ليس تغيراً عراقياً، إنما هو تغير عربي، ونحن نرحب به ونأمل أن تتعمق العلاقات بالقدر المتوازن الذي لا يتحول فيه العراق إلى حلبة نفوذ لهذا الطرف أو ذاك، وقد يلعب العراق دوراً حيوياً مميزاً لتخفيف حدة الصراع في المنطقة، إذا ما فهم الجميع ما معنى الحيادية والابتعاد عن سياسة المحاور المغلقة ومن ثم الانفتاح على علاقات متوازنة تحقق مصالح الجميع.