سئل أحد وزراء اليابان عن سر التطور في بلاده؟ فقال لأننا أعطينا للمعلم راتب وزير وحصانة دبلوماسي ووقار إمبراطور، فما الذي أعطيناه نحن العراقيين منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة حتى اليوم للمعلم؟
والمعلم أعني به كل من يمارس مهمة التعليم ولا أقول مهنة التعليم، لأنها مهمة قبل أن تكون مهنة يمكن أن نساويها بالمهن الأخرى، هي مهمة أكثر من حساسة وشاقة لما تنطوي عليه من أبعاد إنسانية ومعرفية وتربوية واجتماعية، والمعلم بصرف النظر عن العناوين الوظيفية والألقاب العلمية نعني به كل من ينتمي إلى الأسرة التربوية والتعليمية، لا سيما التدريسيون الحاصلون على الشهادات العليا، ممن أفنوا سنوات أعمارهم بالبحث ولم يكتفوا بما حصلوا عليه من شهادات تؤهلهم للتعيين أو لممارسة عملهم، ويتردد أن المستشارة أنجيلا ميركل حين طالبها القضاة بمساواة رواتبهم بالمعلمين قالت قولتها الشهيرة: وكيف أساويكم بمن علمكم؟! أقول هذا بناء على ما ساد الأوساط الجامعية في الآونة الأخيرة من إرباك وإحباط قد تنعكس على سير العملية التعليمية في جامعاتنا ونحن على أعتاب سنة دراسية جديدة. لأكثر من مرة يثار بعض اللغط بشأن قانون الخدمة الجامعية ذي الرقم(23) لسنة 2008، والذي نص على امتيازات معقولة تتناسب مع مكانة الكفاءات التعليمية والجهود التي يبذلها التدريسيون في الجامعات، ولأنه قانون اكتسب شرعيته من تصويت ممثلي الشعب وتصديق الحكومة عليه يفترض أن يكون بمستوى شرعيته، لا أن يبقى عرضة للأهواء والمتغيرات، فالمتعارف عليه أن تعدل القوانين لصالح المواطن وليس العكس، وثمة سؤال مهم لماذا يستهدف هذا القانون بالذات؟
لمصلحة من يراد من الكفاءات أن تكون بوضع أقل شأناً بعدما أنصفها القانون على وفق الدستور؟! لمصلحة من يراد مصادرة حقوق هذه الفئة التي تضطلع بدور فعال للنهوض بواقع البلد؟! من حق الحكومة أن تسن القوانين التي تراها ملائمة للارتقاء بالواقع المعاشي لفئات المجتمع، على ألا يكون على حساب المكتسبات التي تحققت لفئات أخرى، فقانون التأمينات الاجتماعية التي تنوي الحكومة تقديمه إلى مجلس النواب للتصويت عليه لا شك في كونه سينصف بعض طبقات المجتمع بغية تحقيق العدالة كما تم الإعلان عنه، لا بأس، ما من عاقل يعترض على العدالة، والعدالة في أحد معانيها أن نعطي لكل ذي حق حقه، فليس من العدالة أن أوفر الامتيازات نفسها لمواطنين أحدهما تحمل ما تحمل من ظروف بغية الحصول على شهادة عليا ويقضي حياته في شراء الكتب والمصادر والمجلات العلمية وكتابة البحوث ونشرها وإعداد المحاضرات لطلبته ورفدهم بما هو جديد، وثانيهما اكتفى بشهادة الابتدائية أو حتى البكلوريوس وعاش حياته موظفاً يقضي أوقات دوامه ويعود لبيته يهنأ بأوقاته وربما يتفرغ لعمل إضافي، الأمر الذي لا يتاح للتدريسي لكونه مطالباً بالتحضير والبحث ومناقشة الرسائل والأطاريح والمشاركات العلمية في المؤتمرات والندوات والأنشطة الثقافية، لماذا يستثنى القضاة والأطباء من قانون التأمينات الاجتماعية ولا يستثنى من علمهم؟!.