لا منظمة الأمم المتحدة ولا جامعة الدول العربية ولا الإدارة الأميركية ولا بريطانيا ولا تركيا ولا إيران ولا عموم المجتمع الدولي من الاتحاد الأوربي إلى الهند والصين وإفريقيا، هذا فضلاً عن الدولة الأم العراق، كل هذه المنظمات والقوى الإقليمية والدولية لم تؤيد الاستفتاء على انفصال كردستان، فإخواننا الكرد أمام تحديات كبيرة، إذ بلغ الأمر حد التهديد والمناورات العسكرية وإغلاق الحدود، وكل ردود الفعل هذه على مجرد استفتاء، فكيف إذا ما أقدموا على إعلان الانفصال؟!
لا البرلمان العراقي ولا الحكومة ولا المحكمة الاتحادية ولا عموم الشارع العراقي بمن في ذلك بعض القوى الكردية، كل هذه الأطراف أعلنت موقفها الصريح من القضية، بينما دعا السيد رئيس الجمهورية إلى حوار وطني لمعالجة الأمر، لأن موافقته على الاستفتاء تعني حنثه باليمين الدستورية التي نصت على الحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً، ومخالفة الدستور العراقي الذي تشير مادته الأولى إلى كون العراق نظام جمهوري برلماني ديمقراطي فيدرالي، وليس فيه أي نص يشير إلى استفتاء من هذا النوع.
لنقل إننا مع حق تقرير المصير لأي شعب من الشعوب ضمن الإطار الإنساني، والغاية من ذلك التمتع بالحقوق الإنسانية والاستقلالية في إدارة الشؤون العامة، لكن ليس بالضرورة أن ترهن الشعوب مصائرها بالانفصال عن أوطانها الأم، لا سيما إذا كان الانفصال سيسبب ضرراً لها، وليس بالضرورة أن يكون الوطن الأم سبباً في ذلك الضرر، ففي حالة كردستان هناك عوامل شتى لعرقلة قيام دولة كردية، وهي لن تكون نواة لحلم كردستان الكبرى التي تضم أراضي من تركيا وسوريا وإيران، كما تشمل كركوك وطوزخورماتو وسهل نينوى وسنجار وخانقين ومندلي وبدرة امتداداً إلى شط العرب ثم الخليج العربي، ليس لأنه حلم بعيد المنال بل لأنه لا يوجد قانون في العالم ينص على تقسيم الدول بحسب المكونات العرقية، وحتى مفهوم الأغلبية العرقية لا يمكن أن يسوغ لأي انفصال، ولو كان الأمر كذلك لأصبحت مدينة إسطنبول دولة كردية لأن 53 % من سكانها من أصول كردية، ولتقسمت الهند إلى أكثر من مئتي دولة وكذلك إيران وسوريا ومصر ودول المغرب العربي وعموم دول العالم، لأن جميع دول المعمورة مكونة من أعراق وأديان واثنيات مختلفة.
لا يعدو أن يكون الأمر مسرحية سياسية لصناعة أبطال قوميين، فالقادة الكرد متأكدون من استحالة قيام دولة في الوقت الحالي، وما الاستفتاء إلا ورقة ضغط لابتزاز الحكومة الاتحادية من جهة وابتزاز المجتمع الدولي من جهة ثانية، فإسرائيل التي تدعم المشروع وهي فاقدة للمشروعية لا يمكنها إكسابه أية مشروعية حتى وإن تبعتها دول أخرى، العراق وحده من يمنح المشروع الكردي مشروعيته إذا ما تم في إطار تفاهمات وطنية تعطي لكل ذي حق حقه، ولا يمكن أن يقدم على هكذا خطوة ما لم يستقر ويطهر كامل أراضيه من دنس الإرهاب ويستعيد مكانته ودوره وقوته في المنطقة.