ارتبط مفهوم تقرير المصير في قوانين الأمم بالمتحدة وقبلها عصبة الأمم بالدول والأقاليم المستعمرة، وشمل بصورة واضحة تلك التي كانت تحت الوصاية أو الانتداب، ثم طاله ما طاله من تشعب وغموض في القوانين واللوائح اللاحقة، لا سيما بعد مؤتمر سان فرانسيسكو، وبمقتضى النصوص فإنه ليس حقاً مطلقاً، ولا يعني بالضرورة إيجاد كيانات ودول جديدة بحسب الهوية، فتقرير المصير مشروط بالمساواة بين الشعوب وإنماء العلاقات الودية وتعزيز السلم العام، وعليه فإن الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان الذي يراد له أن يفضي إلى قيام دولة كردية فاقد لكل الشروط، فالإقليم لم يكن واقعاً تحت احتلال أو وصاية ليطالب بالتحرر، والكرد مواطنون يتمتعون بكل ما يتمتع به شعب العراق من مختلف أطيافه وزيادة، وأن عملية الاستفتاء والخطوات اللاحقة ليست كفيلة بإنماء علاقات ودية، سواء مع دول الجوار أم مع الشعب العراقي، بل ستفتح الباب للمزيد من التوترات والتهديدات وإنماء مشاعر الكراهية العنصرية، وبدلاً من تعزيز السلم العام أصبح الاستفتاء سبباً لتوقع العديد من الصراعات، سواء مع دول الجوار التي عدته تهديداً لأمنها القومي، أم مع الداخل، لا سيما في المناطق المشتركة والتي تعرضت لإجراءات تعسفية بهدف إحداث تغييرات ديموغرافية على التركيبة السكانية.
إن فرص العيش بسلام ضمن عراق فيدرالي موحد، أفضل بكثير من حالة اللااستقرار التي ستخلفها محاولات الانفصال، وسيفقد مبدأ حق تقرير المصير مسوغاته، فالإقليم يتمتع بمساحة استقلالية كبيرة في إدارة شؤونه الإدارية والاقتصادية، تتجاوز حدود النظام الفيدرالي المتفق عليه دستورياً، بل تتجاوز حتى النظام الكونفدرالي، ويتمتع الشعب الكردي بكل ما يضمن حقوقه الإنسانية، وهم شركاء في كل مفاصل الدولة، وليس هناك ما يهدد وجودهم أو يصادر حقوقهم، وهم ملزمون بدستور أسهموا بكتابته وصوتوا عليه، وليس فيه ما يشير إلى انفصال أو استفتاء أو تقرير مصير.
البعض يسوغ للكرد سعيهم للانفصال بسبب ما تعانيه العملية السياسية من إرباك وفساد، ويتناسى أن النزعة الانفصالية ليست جديدة على القاموس السياسي الكردي، منذ ما قبل جمهورية مهاباد مروراً بكل المراحل والحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، لدى الغالبية من فئات الشعب الكردي التي عُبئت عنصرياً، لا لسبب يذكر بل لمجرد قيام دولة قومية بصرف النظر عما ستؤول إليه أو تنتجه من صراع في المنطقة.
لنفترض أن حق تقرير المصير متكامل الأركان وقد آن للكرد أن يكتسبوه على وفق القوانين والمعايير، فهل يمكن أن يتحقق على حساب المكونات الأخرى؟
هل يتحقق بالتوسع وقضم الأراضي واستغلال الحالة الأمنية التي تمر بها البلاد؟ أم بالابتزاز وسرقة الثروات؟
هل يتحقق بالتأجيج العنصري؟ بمخالفة الدستور؟ بتحدي الإرادة الدولية؟ بالانغلاق والتزمت والتشدد والقفز على الواقع؟
هل يتحقق على يد شخص فاقد للشرعية الدستورية، يتعامل مع الإقليم بوصفه ملكية خاصة لأسرته ويوهم العالم بوعود التأسيس لدولة مدنية؟