الانهيارات الخطيرة التي حدثت في المنطقة العربية وآلت إلى متغيرات جذرية في أنماط الحياة وأنظمة الحكم وتسببت بحروب ونزاعات أهلية، لم تأتِ بالمصادفة ولا بتراتبية مترابطة، كما أنها لم تأتِ بصورة عشوائية، أصحاب نظرية المؤامرة وهم على حق نوعاً ما، يذهبون إلى إنها مخططات مبيتة لرسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، أدبيات السياسة الإسرائيلية كرست مفهوم إضعاف الدول المحيطة بها وسعت بصورة وأخرى لتجزئة المنطقة، ودعم الصراع الإسلامي- الإسلامي، وقد نجحت بتحويل هوية الصراع التي تمحورت حولها كل الأيديولوجيات العربية والإسلامية منذ أربعينيات القرن المنصرم حتى لحظة اندلاع الفتنة الطائفية بعد سقوط النظام الدكتاتوري، من المؤكد أن تضع إسرائيل نصب أعينها الدول الأكثر تعبوية ضدها وهي سورية ومصر والعراق ثم لبنان والأردن، ولاحقاً أصبحت إيران على رأس القائمة، لكن انهيار الأنظمة جاء بلا تراتبية، العراق تونس ليبيا سورية ثم مصر وقبلها السودان على خلفية الصراعات القديمة والجديدة ومن ثم انفصال الجنوب، ثم ظهرت اليمن في المشهد الأكثر حدة، بتدخل أكثر مباشرة، وبصرف النظر عن التفاصيل ثمة سؤال بسيط يتكرر هو: لصالح من يجري كل هذا؟ لا يختلف اثنان بشأن الجهة المستفيدة مما يحصل اليوم في الشرق الأوسط، وهي إسرائيل، وبعضهم يذهب إلى أبعد من هذا، بناء على الكثير من الدلائل والمعطيات، من أنها تقف وراء كل المخططات، تساعدها جهات مستفيدة، وهذا بدعم وإسناد من جهات أميركية، سواء أكان ذلك علنياً أم سرياً، وإلا ما الذي يعطل الاتفاقيتين الإطارية والأمنية بين أميركا والعراق؟ أليس بإمكان الأميركان الضغط على حلفائهم لوقف تدفق الجماعات الإرهابية ودعمها، لا سيما أن بعض الجهات الداعمة أصبحت مكشوفة، لماذا كانت سورية في مأمن حين كانت معبراً لتلك الجماعات الضالة؟ ولماذا أصبحت بين ليلة وضحاها هدفاً؟ ما الذي يجعل قطر خارج نطاق التغطية؟ ولماذا اختلف بشأنها الحلفاء؟
قد يقول قائل: إن المنطقة برمتها أصبحت ميدان صراع بين إيران والسعودية، وهما اللاعبان الأساسيان وبقية الدول عبارة عن لاعبي إسناد، وبالنتيجة هما صورة مصغرة من صور الصراع العالمي وموروثات الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، من يحركهما؟ هل الاختلاف العقائدي وحده كافٍ لتبرير كل هذه الصراعات؟ هل إن إسرائيل فعلاً أشعلت فتيلاً أزلياً لا ينطفئ؟ أم أنهما يخوضان حرباً بالنيابة لتجسيد ذلك الصراع الأزلي، أم هي مقولة الغرب الشهيرة بتغذية الصراع لضمان تدفق البترول؟
كل هذه الانهيارات والنزاعات والحروب وفرت فرصاً للتجزئة، وأنفقت أسلحة وأعتدة بمليارات الدولارات، وأدامت عجلة الطاقة العالمية ببترول رخيص الثمن، وأبعدت إسرائيل عن أي تهديد، وأضعفت غالبية المنطقة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، وزادت من التبعية لمخططات الآخرين ومصالحهم، وساعدت على تهجير العقول والكفاءات، وشهدت المنظومة القيمية انهيارات غير مسبوقة بتفشي العنف والكراهية والفساد بكل أنواعه، فمن المستفيد ومن المتضرر سوى المواطن الشرق أوسطي؟