منذ استفتاء الانفصال سيء الصيت والعراقيون بمختلف أطيافهم يعيشون حالة من الترقب مشوبة بالكثير من القلق، لقد أنهكتنا الحروب، عرباً وكرداً وقوميات أخرى، دفعنا أثمان التهور السياسي مسلمين ومسيحيين وصابئة وأيزيديين، شاركنا في ذلك أيضاً اليهود العراقيون منذ أربعينيات القرن المنصرم حتى سبعينياته، تحملنا أوزار العنف السياسي والقبلي يساريين ويمينيين، شيوعيين وقوميين، إسلاميين وعلمانيين، عسكريين ومدنيين، رجالاً ونساء، شيوخاً وشباباً وأطفالاً، لم يسلم عراقي واحد من طوفانات العنف التي تجتاح العراق بين آونة وأخرى، ألا يكفينا ذلك؟
ومنذ تأسيس الدولة، عنف سياسي بدأ بتنفيذ أحكام الإعدام ببعض معارضي السلطة الملكية، انقلابات متتالية مصحوبة بمجازر بشعة، حروب مع الجيران، نزاعات عربية كردية، وكردية كردية، وسنية شيعية، ونزاعات عشائرية بلغت حد استعمال الأسلحة الثقيلة، جماعات إرهابية مسلحة لا سابق لها، قاعدة وبعثيين وطائفيين ونقشبندية وجيوش متوحشة ما أنزل الله بها من سلطان، لا تملك سوى مشاريع قتل ودمار، ولا أظن بأن عصابات داعش ستكون آخرها، وها نحن نخوض حرباً تلو أخرى لتطهير أرضنا المقدسة من دنس تلك الجماعات الضالة، ألا يكفي؟!
كل هذه الأوجاع وهناك من يفكر باستغلال الأوضاع الاستثنائية للبلد، استنزاف للطاقات، فساد، مؤامرات، مخططات تقسيم، إثارة فتن ونعرات طائفية، تنافس عجيب على الخراب، تزييف للحقائق، دجل سياسي للضحك على ذقون الآخرين، تشكيك متبادل، تكالب على المكتسبات والامتيازات والمناصب واستغلالها للمصالح الشخصية والحزبية والجهوية، وكأن العراق مجرد غنيمة ينبغي اقتسامها، فبعد كل التضحيات التي قدمها أبناء العراق من القوات المسلحة والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي يأتي من يطعنك من الخلف، ولا يدرك بأن كل تلك التضحيات كانت من أجل تحرير مدن العراق ومواطنيه من مختلف الأطياف، ليس دفاعاً عن أحد ولا عن طائفة محددة أو دين معين أو قومية بعينها، فهل حررناها ليطمع بها من نفترضهم شركاء؟ لقد وحدتنا محنة مواجهة الاحتلال الداعشي، فهل تفرقنا الانتصارات؟!
السيد رئيس الوزراء أدار ملف الاستفتاء بحكمة، مثلما أدار معارك تحرير المدن من الاحتلال الداعشي، لم يهدد ولم يتوعد مثلما فعل الآخرون، بل سعى بروية إلى فرض الدستور وإزالة التجاوزات عليه، لم يحاصر إقليم كردستان أو يحاول تجويع إخواننا الكرد كما زعم بعضهم، ولم يلجأ إلى القوة أو يلوح بها، إنما نفذ بتخويل من البرلمان ما يمليه عليه الدستور العراقي الذي شارك الكرد بكتابته، لكن غالبية ساستهم تخلوا عن أهم فقراته وتمسكوا فقط بالمادة 140 منه الخاصة بكركوك والمناطق المتنازع عليها، وتناسوا المادة التي تليها ومضمونها:
إن قرارات الإقليم نافذة ما لم تكن مخالفة للدستور، وما الاستفتاء إلا مخالفة صريحة للمادة الأولى التي تنص على "جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق." فلا العراق قابل للتجزئة ولا الدستور.