وأخيراً انتقل السيد مسعود بارازاني رئيس إقليم كردستان العراق المنتهية ولايته من خط الهجوم إلى خط الدفاع خلف المرمى، بمعنى آخر هناك إصرار على ألا يكون خارج الملعب، مصوراً للشارع الكردي بكونه المهاجم الأوحد الذي حقق ما لم يحققه سواه، وأن الفوز بمباراة الانفصال كان قاب قوسين أو أدنى لولا الخيانة العظمى لبقية اللاعبين، ولا نريد أن نتطرق هنا إلى معايير الخيانة، بل نريد القول إن خطوته الأخيرة جاءت لحفظ ماء الوجه، بعدما أصبحت تنحيته مطلباً كردياً قبل أن يكون عراقياً عربياً أو إقليمياً أو دولياً، فمحاولة الاستفتاء كانت بمثابة الانتحار السياسي، لقد فاته أن ذلك الاستفتاء كان بمثابة خيانة حقيقية للدستور ولمبدأ التوافق والشراكة الذي رضي به واستثمره وأصبح له دور مؤثر من خلاله، وفاته بأن الدستور الذي أسهم الكرد بكتابته وصوتوا للاستفتاء عليه يعد عقداً ساري المفعول بصرف النظر عن بعض التحفظات، والعقد شريعة المتعاقدين.
لقد وزع صلاحياته على السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، لكن بحسب قانون رئاسة الإقليم سيكون ابن أخيه نيجرفان إدريس البارزاني هو الأوسع سلطة، والمؤكد بأن الجانب الأمني (مجلس أمن الإقليم الذي يضم الأسايش والشرطة والقوات الخاصة، وقوات البيشمركة) ستكون تحت سلطته، وبحسب البنية القبلية التي تشكل الطابع الأهم فإن سلطة الإقليم لم تخرج من كنف العائلة، ذلك أن أبناء مسعود مسرور ومنصور ومصطفى هم من يديرون تلك الأجهزة عملياً، مع الأخذ بعين الاعتبار التنافس غير المعلن لنيجرفان مع عمه مسعود على سلطة الإقليم الأمر الذي جعله الرجل الثاني دائماً إرضاء لمطامحه. ما ليس دستورياً ولا قانونياً إعلان مسعود البارازاني نفسه جندياً في البيشمركة، فبهذا أصبحت البيشمركة فصيلاً انفصالياً متمرداً مسلحاً خارج نطاق الدولة، إذ كيف لرئيس انتهت ولايته يعود جندياً في جيش نظامي، هذا إذا افترضنا بأن البيشمركة جيش نظامي لحماية الإقليم وليست فصيلاً متمرداً، ممكن أن يكون الأمر رمزياً من باب المجاز، وفي رأينا كان ذلك تعبيراً عن رسوخ نزعة التمرد التي طبعت الشخصية الكردية طيلة عقود، وحتى بعد أن حصل الكرد على ما لم يحلموا به من حقوق بعد سقوط النظام الصدامي لم تتغير تلك الثقافة، بل ظهرت معها نزعة التوسع على حساب الغير والابتزاز واستغلال الظروف الأمنية.
مسعود أخطأ في التقديرات والتوقيتات، سواء في إصراره على الاستفتاء أم في تلويحه بالتحالف مع إسرائيل أو باعتماده على وعود بعض الأطراف الأميركية والبريطانية من خارج دوائر القرار، لقد ابتلع الطعم متوهماً أن علاقته بإسرائيل ستفرش للدولة الكردية المتخيلة طريقاً من حرير، أما وقد أصبح خلف المرمى فجل ما نخشاه أن يقذف بكرات من نار بدلاً عن جلب الكرات التي تخطيء المرمى، فالأجدى لنا وله ولكل العراقيين أن يكون خارج الملعب.