واضح أن البيان الختامي للاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية الذي عقد مؤخراً ما هو إلا تحصيل حاصل للقراءة الأحادية لأوضاع المنطقة، القراءة بعين طائفية واحدة وأموال خليجية تغلق العين الأخرى التي يمكن أن ترى شيئاً من الحقيقة، فما يسمى بالتحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد اليمن، أو لنقل ضد الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح، والطرفان يمثلان نسبة كبيرة من شعب اليمن، لم يدخر وسعاً في ضرب القوات المتصدية بشتى أنواع الأسلحة، بما فيها المحرمة دولياً، هذا بصرف النظر عن شرعية تلك الحرب من عدمها، بل لم يسلم المدنيون من نساء وشيوخ وأطفال من قصف المدافع والصواريخ والطائرات الحربية، لم تسلم المآتم ولا الأعراس من دمار الحرب، ولم يعترض العرب على مجازر الإبادة، لكنهم اعترضوا على صاروخ واحد أطلقه الحوثيون على الرياض، فالمطلوب من اليمنيين أن يحاربوا بإلقاء الحلوى واستعمال الصواريخ والطائرات الورقية!!
حين كان شرطي الخليج الشاه محمد رضا بهلوي حليف أميركا وإسرائيل لم يكن العرب أعداء لإيران، لكن بعد اندلاع الثورة الإيرانية ومجيء نظام إسلامي يعادي أميركا وإسرائيل، أصبحت إيران مجوسية وصفوية ومعادية للعرب، بل إن غالبية العرب، لا سيما السعودية دعمت الطاغية المقبور في حرب الثماني سنوات، ثم أتيح لأميركا استدراجه لغزو الكويت، ووافقت السعودية على بقائه بمثابة بعبع ضد إيران، وبعد سقوط النظام الدكتاتوري لم يقف العرب مع العراق الجديد الذي حاول بناء نظام ديمقراطي يشترك الجميع بإدارته، وبمجرد صعود الأغلبية دق جرس الإنذار العربي من النفوذ الإيراني، وراحت موجات الإرهابيين التكفيريين تترى لإسقاط النظام الصفوي في العراق مدعومة مادياً ولوجستياً وإعلامياً من بعض العرب، ولا نأتي بجديد إذا قلنا بأن جميع الجماعات التكفيرية تستمد منهجها من الفكر الوهابي السلفي الذي تحتضنه السعودية.
الحوثيون المطالبون بحقوقهم إرهابيون، وحزب الله الذي يمثل مكوناً لبنانياً كبيراً وهو المتصدي الوحيد لإسرائيل على خطوط التماس إرهابي، وغالبية الشعب البحريني عملاء، لكن القاعدة وداعش والنصرة وغيرها من الجماعات الإرهابية التي تزعزع أمن المنطقة شرقاً وغرباً لا أحد يدينها أو يدين داعميها، آلاف الضحايا في اليمن والعراق وسورية وليبيا ومصر بسبب التطرف الممنهج لا يشار لهم بكلمة مواساة، ولا حتى إشادة بما حققه العراق من انتصارات ساحقة، لكن صاروخ واحد يقع على الرياض من دون خسائر يدفع العرب لإعلان الحرب على إيران، لماذا لا تعلنون الحرب على أميركا؟ أليست هي التي تجهز إسرائيل بالأسلحة؟ وهل إن المنطقة بحاجة لحروب جديدة؟ لم لا تتخذ جامعة الدول العربية قرارات شجاعة وصريحة ضد السعودية التي تتدخل في اليمن ولبنان والبحرين وسورية والعراق، ويكفيها أن منابرها الدينية هي التي أصدرت فتاوى التكفير والقتل والتمثيل بعباد الله، وأن العالم يجمع على أنها مصدر التكفير والتطرف؟ أم هي القراءة الأحادية بعين واحدة غشيها المال السياسي؟