الفساد على ما يبدو أصبح ظاهرة كونية، ففي مختلف دول العالم الغربية والشرقية نسمع بين آونة وأخرى عن فضائح شخصيات سياسية وشركات ومؤسسات، وهذا ليس تبريراً لما نحن عليه من تفشٍ صارخ في مختلف المفاصل، عامل النظافة لا يرفع الأزبال ما لم تعطه الإكرامية، عمال الكهرباء لا يأتون لإصلاح العطب ما لم تتفق معهم على مبلغ يجمع من المواطنين، المعلم لا يبذل جهداً كالذي يبذله مع طلبة التدريس الخصوصي، أي معاملة يمكن أن تستغرق أشهر وربما سنوات ما لم تجد من تدفع له لإتمامها، في محطة الوقود أصبح الأمر أشبه بالاتفاق إذ لا بد من ترك مبلغ إضافي للعامل، هذا علاوة على الرشى التي تدفع للمتنفذين في حالات التعيين والنقل والتزوير وتبرئة الجاني واتهام البريء، قد يقول قائل إنك تارك الحيتان وملتفت لصغار السمك، والجواب:
إن الحيتان معلومة ومكشوفة للقاصي والداني، وملفاتها تحت اليد والجهات المعنية تتحين الفرص المناسبة لإحالتها للمحاكم المختصة، لكن كيف نكافح الظاهرة ونضعها في إطارها الأخلاقي المستهجن والمرفوض؟
الفساد كالأفاعي رؤوس وذيول تمتد، بمعنى آخر هناك مأسسة للفساد بتواطئ متنفذين كبار لهم أتباع وحلقات وسطية ولهم ذيول ومصلحة الكل مرتبطة بالكل، حتى خيل لبعض المواطنين أنه لا يمكن أن تعيش ما لم تكن فاسداً، وأصبح المنصب فرصة من لا ينتهزها للإثراء فهو (غشيم) وجبان إلخ.. ماذا نسمي من يعطل قانوناً صادراً عن مجلس النواب فيه حقوق لفئة معينة لأنه يتعارض مع قرار سابق لما يسمى بمجلس قيادة الثورة المنحل؟ ماذا نسمي ظاهرة الشهادات العليا التي يحملها خريجو الابتدائية أو المتوسطة؟
من أين أتوا بها؟
لم لا يتم تدقيق جميع الشهادات، ما معنى وجود مئات الموظفين على ملاك الرئاسات الثلاث من حملة المتوسطة والابتدائية وما دون ذلك، ما معنى وجود عشرات المستشارين في كل زاوية من زوايا الدولة لا علاقة لهم بما عينوا من أجله؟
هل تعتقدون بأن ظاهرة الفضائيين في القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي قد قضي عليها؟ وماذا نسمي تشويه بغداد وخنقها بعشوائيات من قبل عصابات استولت على أراضي الدولة وباعتها للمواطنين وأمدتها بخدمات من الكهرباء والماء والمجاري تفوق خدمات المناطق السكنية الأصولية، وهذه العصابات طبعاً تحتمي بأحزاب وميليشيات وتتحدى كل السلطات؟
متى يصبح الفاسد أنموذجاً مداناً ومنبوذاً من العائلة والمؤسسة والمجتمع، كما أشار السيد رئيس الوزراء في كلمته الأخيرة في جامعة بغداد؟ أمام الحكومة ملفات فساد هي أخطر من داعش كما وصفت، وتحتاج مواجهتها إلى قوة ضاربة وحشد شعبي وفتوى وخلية إعلام مساندة تعمل من الداخل والخارج وعمل دؤوب لملاحقة الأموال المهربة واسترداد ثرواتنا وأخيراً نحتاج فعلاً إلى محاكم خاصة كالتي شكلت لمحاكمة رؤوس النظام الدكتاتوري بعد سقوطه، فما فعله الفاسدون ببلدنا العزيز لا يقل استهتاراً عما فعله النظام المباد بنا.