نشارك أو لا نشارك في الانتخابات المقبلة؟
ليس سؤالاً بل هو معادلة تشغل الشارع العراقي اليوم بعد أن حسمت قضية التأجيل، مساحة واسعة من الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي احتلها هذا السؤال في الآونة الأخيرة، لا نريد الخوض في تفاصيل المشاركة من عدمها، لكن تجدر الإشارة إلى إن المشاركة حق مشروع وللمواطن مطلق الحرية في أخذه أم تركه، وليس واجباً يفرض بطريقة وأخرى من هذه الجهة أو تلك، وليس من حق أية حكومة أن تسلب المواطن حقاً آخر لتفريطه بحق التصويت.
المواطن مخير وينبغي احترام موقفه، فالانتخابات الديمقراطية لا تشترط اشتراك الناخبين مئة بالمئة، فكبرى الديمقراطيات في العالم لا تتعدى فيها نسبة المشاركة الستين بالمئة، ومع ذلك تعد ناجحة وشرعية، فما أشيع عن اشتراط المشاركة في الانتخابات للحصول على الحصة التموينية محض افتراء، لا أظن أن الحكومة ترتكب خطأً فادحاً كهذا، من واجب الحكومة أن تدعو الناخبين لسحب بطاقاتهم الانتخابية وتجديدها بغية تنظيم العملية الانتخابية وحيازة كل مواطن لحقه، ولكي لا تتاح الفرصة لبعض الجهات الفاسدة استخدام تلك البطاقة لأغراض التزوير، استلم بطاقتك وأنت حر في المشاركة كحق دستوري، أو عدم المشاركة كجزء من حريتك الشخصية.
لكن أمام هكذا قضية ثمة أسئلة عديدة: لماذا تفرط بحقك أخي المواطن؟ ألم ترغب بالتغيير؟ ألم تعاني من الفساد وسوء الخدمات؟ ألم تعترض وتستنكر وتحتج وتتظاهر وتطالب بالتغيير؟ حسناً.. كيف سيحصل التغيير إذا امتنعت عن اختيار الأصلح وتركت للوجوه ذاتها التي تعاني منها أن تعود إلى الواجهة؟ من حقك أن تعبر عن يأسك بالعزوف عن المشاركة، لكن هل يؤثر ذلك بمن تعرفهم من الفاسدين الذين ستترك الساحة لهم ولأتباعهم؟ الأفضل أن تشارك وأن تدلي بصوتك في اختيار من تجده جديراً بصوتك، فإن فاز مرشحك تكون فقد أسهمت بإزاحة وجه مستهلك وأتيت بوجه جديد، وإن لم يفز فقد أرضيت ضميرك وبرأت ذمتك.
بعد كل هذه السنوات يفترض أن المواطن العراقي امتلك وعياً بأهمية حقوقه، ويفترض ووعياً سياسياً في الاختيار الصائب، فمن يعزف عن المشاركة لا يضر أحداً، بل سينفع المنتفعين الذين خبروا الاستفادة من ملء الفراغات، ولو أننا حسبناها بحسبة بسيطة فسنكتشف خطر عزوفنا، لو افترضنا بأن نصف الناخبين امتنعوا وسارت الانتخابات كما هو معهود، وظهرت النتائج فماذا تتوقعون؟ من المؤكد أن النصف الذي شارك هم أتباع الموجودين على رأس السلطة اليوم، وهم أنفسهم الذين تكرروا في الانتخابات السابقة، بينما النصف الذي لم يصوت بإمكانه أن يزيح نصفهم ويأتي بمرشحين يوازون أولئك، وبهذا سنحظى فعلياً بمن يمثل الشعب، وبمن يعترض ويسهم بتشريع قوانين تخدم مسيرة التغيير والتطور، وقد يصبح نصف البرلمان الذي سيفوز بأصوات الممتنعين معارضة حقيقية، فحقيقة الخلل الذي نعاني منه هو غياب المعارضة بسبب المحاصصة ومطامح المشاركة بالحكم.