في مؤتمر إعادة إعمار العراق المقام في الكويت تم إيفاد أكثر من مئة وأربعين شخصاً يمثلون الدولة العراقية، وأكثر من أربعين شخصاً يمثلون إقليم كردستان، فضلاً عن عدد كبير من إعلاميي القنوات الإعلامية، الموظفون المرافقون للسادة المسؤولين غالبيتهم من المكاتب الرئاسية والوزارية بصفة مراسم وإعلام ومرافقين وحمايات وسكرتارية، محافظو المحافظات العراقية جميعهم، أشخاص من منظمات المجتمع المدني، وزراء ومستشارون ووكلاء وزارة، وهذا العدد في تقديري مبالغ به، ولا نعلم إن كانت الدولة العراقية تتحمل نفقات الإيفاد أم سيتحملها المؤتمر، ففي الحالتين هناك حلقات زائدة لن يكون لها أثر يذكر، ولا ندري إن كان المؤتمر سيخصص المنح المالية لكل هؤلاء كلاً انفراد أم هناك مركزية في تبويب تلك المنح؟
مثل هكذا مؤتمرات نحتاج فيها إلى كوادر فنية تتعامل بالأرقام ومستشارين اقتصاديين يدرسون الجدوى الاقتصادية لكل منحة ولكل مشروع، ولسنا بحاجة لسياسيين وإداريين، ولو اقتصر الأمر على ذوي العلاقة، أي السلطة التنفيذية في جزئها المسؤول عن إعادة إعمار المدن المحررة، والبت بالمشاريع الاستثمارية ذات النفع العام لكان أفضل، فالمؤتمر ليس توزيعاً للغنائم، وليس وليمة، فهو في جانبه الأخلاقي والسياسي على حد سواء اعتراف من المجتمع الدولي بأن العراق قد حارب الإرهاب ودحره نيابة عن الإنسانية جمعاء، وهو من أكثر المؤتمرات شرعية لوجود الأمم المتحدة بصفة عضو فاعل فيه، إلى جانب الاتحاد الأوربي ودولتي العراق والكويت، أما في جانبه الاقتصادي فهو فرصة لإنجاز ما فاتنا إنجازه طيلة عقد ونصف العقد.
قد يقول قائل بأن كثرة المشاركين سيمنح المؤتمر هيبة وأهمية ووقعاً إعلامياً، وأرى أن المؤتمر بنتائجه وليس بكثرة المشاركين، لا سيما أننا طرف مستفيد وليس طرفاً مانحاً، الأولى أن نوفر ما سينفق، علماً أن أهمية الاستثمار في مشاريع استراتيجية كبرى أهم بكثير من المنح التي قد تطالها يد الفساد، وقد تكون مشروطة بمواقف وتوجهات معينة، فالعراق اليوم بعد إلحاق الهزيمة بداعش والاستتباب الأمني الملحوظ مقدر له أن يكون بيئة واعدة للاستثمار في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتوظيف الطاقات البشرية والموارد الطبيعية، ليس في مجال البترول فحسب، وإنما في كل المجالات وفي مختلف المعادن، والأهم من ذلك أن تعطى الأولوية لإقامة المشاريع الإنتاجية الكبيرة لوضع العراق على مسار الدول الصناعية، وهو مؤهل لذلك، لا أن يبقى سوقاً استهلاكية تستورد كل شيء.
كنا نتمنى أن تكون مشاركتنا نوعية لا كمية، كما نتمنى أن تكون النتائج بداية لثورة استثمارية في العراق، لتحريك الركود الاقتصادي ومواجهة تبعات الاقتصاد الريعي الأحادي وانخفاض أسعار البترول من جهة، وإغلاق منافذ الفساد من جهة أخرى، راجين أن يكون هذا المحفل الدولي فرصة لتجاوز الخلافات السياسية وحلحلة بعض القضايا وتجاوز تبعات الماضي القريب للتوجه بجدية وحزم لبناء بلدنا الذي أنهكته الحروب.