هل من تفسير منطقي لاندلاع حمى التفجيرات الإرهابية التي طالت المدنيين العزل مؤخراً؟
سيردد البعض مثل كل مرة بأنها تعبير عن إفلاس الإرهابيين بعد الهزائم التي منوا بها في ميادين القتال، وهذا تفسير يبدو جاهزاً ومكروراً، هناك خلايا نائمة تستيقظ بقدرة قادر توجهها أصابع خفية تسعى لزعزعة الأوضاع كلما تنعمنا بقدر من الاستقرار، وهذا التفسير لا يضيف شيئاً لسابقه، بل هو يحيلنا إلى نظرية المؤامرة بطريقة توجه الأنظار عن الجناة الحقيقيين وتسجل الجريمة ضد مجهول.
بعد ما يقرب من العقد ونصف العقد من الجرائم اليومية التي تستهدف المدنيين في الأماكن العامة هل نحتاج، نحن العراقيين، لمن يفسر لنا ما يحدث؟
فالجماعات الإرهابية ليست سرية كما في بعض الدول، بل هي تعلن عن هوياتها وعنواناتها جهاراً، والقوى الإقليمية التي أمدتها بالمال والسلاح والدعم الإعلامي لم ترد (بنعم) أو (لا) صريحتين، إنما توجد لتلك الجماعات الإرهابية مسوغات معلنة، وذلك من خلال التدخل السافر في شؤوننا، والتحريض المباشر، سواء من خلال الفتاوى التي تصدر عن مؤسسات تابعة لها، أم بالتشويه الإعلامي الذي يركز على ثنائية الطائفية والمظلومية، أو بالمواقف السياسية التي تنم عن عدوانية مبيتة، الغاية منها إضعاف العراق والهيمنة على قراره السياسية.
الانتصارات الحاسمة التي حققناها على قوى الظلام لم ترق للبعض، والأحداث أثبتت بأن وحدتنا التي أرادت قوى الاستبداد والطائفية تفتيتها هي قارب النجاة الوحيد لمواجهة كل رياح الغدر وأمواج الضلالة، ولكي نكون جادين في خوض غمار المرحلة الجديدة بعد داعش علينا أن نكون صريحين مع أنفسنا، ونبحث عن الجاني الحقيقي، ليس من انتحر أو نفَّذ أو فخَّخ أو وقَّت، وليس من غُرر به من حثالات الناس ممن تغذوا على عقيدة القتل وحشيت أدمغتهم بسموم التكفير وامتلأت قلوبهم بمشاعر الكراهية والحقد الأعمى، نعم هم مجرمون لا نحاول تبرئتهم، لكن الأهم أن نبحث عمن له مصلحة حقيقية في زعزعة أمننا، ولِمَ هذا التوقيت بالذات؟ لا نغالي إذا قلنا إن مدننا شهدت عقب انتصاراتنا على إرهابيي داعش وتحرير مدننا استتباباً أمنياً ملحوظاً، فبماذا نفسر هذه الهجمة المباغتة وفي أماكن بارزة ورئيسة وسط العاصمة؟ هل يمكن القول إن الخلايا النائمة لداعش هي التي تخطط وتنفذ وتوقت؟ أم تقف وراءها إرادات متخفية تأمر وينفذ لها؟
كل الاحتمالات واردة، فإن من يستعجل عودة النازحين ويعترض على إجراءات الجهات الأمنية في التدقيق الأمني، ومن يعرقل إقرار قانون الانتخابات ويطالب بتأجيلها، ومن يعرقل إقرار الموازنة، ومن يفرض اشتراطاته خارج الدستور، ومن يصر على تسمية الحشد المقدس بالميليشيات، ومن يحمل عقيدة تجزئة العراق، ومن كان فاسداً ودنت منيته، ومن عزَّ عليه نصر العراق أو يسعى لسرقته، ومن يحنُّ لحقبة الاستبداد، كلهم يقفون وراء ما تنفذه قوى الظلام، ولا أستثني أحداً كما قال مظفر النواب.