أمام منافسه الوحيد موسى مصطفى موسى الذي لم يحقق سوى 2.92 بالمئة، فاز عبد الفتاح السيسي في انتخابات الرئاسة المصرية بنسبة 97 بالمئة، وهذه النتيجة كانت متوقعة من المراقبين، إذ لم يكن هناك من ينافس السيسي الذي استطاع خلال حقبة حكمه أن يعيد مصر إلى ما كانت عليه قبل إسقاط نظام مبارك وصعود جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، ويبدو إن الاستعمار الذي رسم خريطة الأنظمة الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط التي أجريت عليها تعديلات لاحقة، قد استشعر خطر التغييرات فراح يبحث عن سبل لعودة النظم التقليدية القديمة نفسها، كما أن الشعوب تناغمت مع ما آلت إليه الأمور بعد انقضاء حقبة الاستعمار.
الأنظمة الخليجية باقية كما هي، وتركيا العلمانية باقية كما هي، وما مد العثمنة الذي انتهجه أردوغان إلا تعديلات آنية اقتضتها معادلات الصراع الجديد في المنطقة، إيران التي غيرت وجهتها الملكية بعد الثورة الإسلامية لم ترق حالها لأصحاب القرار، فسعت الدوائر الإمبريالية لإدخالها وتوريطها بحروب وصراعات، مصر وسوريا والعراق وهي الدول الأكثر فعالية من الناحية السياسية، خاضت معترك التغيير مبكراً فلم تستسلم لما رسمه الاستعمار لها، ومع ذلك تم قبول الأنموذج الجمهوري الذي تأسس على أنقاض النظم الملكية فيها، بينما بقيت الأردن وهي الأكثر استقراراً سياسياً مثلما أرادها الاستعمار، وضمناً فإن المنطقة مشمولة بتقسيم مصالح القوى العظمى على وفق ترسيمة الحرب الباردة التي لم تعد باردة.
نريد القول إن السيسي مقدر له أن يعيد مصر إلى صورة النظام الناصري من دون طموحات قومية، وربما كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي تتخلص بها مصر من حكم الأخوان، فعلى الرغم من المد الأصولي الذي اجتاح مصر منذ خمسينيات القرن المنصرم واشتداده على أيام السادات إلا أن هوية الشعب المصري بقيت غالبة على كل التشعبات والاستقطابات الثقافية المستحدثة، وما يزال الحنين قائماً لنظام العسكر القوي الذي يحكم بالحديد والنار ليضمن للغالبية أن تعيش بأمان بصرف النظر عن مستوى المعيشة.
الشعب المصري الذي يعزف ويغني ويسهر للصباح أمام مسجد سيدنا الحسين والأزهر، ويصلي الجمعة في الشوارع، وبعدها يتوجه إلى منتديات اللهو والمتعة لا يمكن أن يعيش إلا وفق قاعدة (ساعة لربك وساعة لقلبك) ولقمة العيش الشحيحة نوعاً ما لا تمكنه من الدفاع عن نفسه، لذلك يميل إلى حاكم قوي يؤمن له حياته، وهي معادلة تكاد تكون مشتركة بين شعوب المنطقة، فالديمقراطية الناشئة الهشة لم تؤمن حياة الأفراد وتضمن حرياتهم بعد، لذلك هم فاقدون للثقة بها، ويتوقون لنظم استبدادية تقمع ما خلفته الديمقراطيات من انفلات على حساب أمن المجتمع والحريات العامة، وما استشرى من فساد وتفريط بالمصالح العامة لحساب المصالح الذاتية والجهوية، فهنيئاً لمصر بالسيسي الذي وجدت فيه المنقذ والمخلص من تبعات التغيير.