على مدى ثلاثة أيام سبقت الهجوم الصاروخي والجوي على سورية، تناقضت تصريحات الرئيس الأميركي ترامب، ففي اليوم الأول صرح بالانسحاب من سورية وترك شأنها للاعبين محليين، وفي الثاني قال سنبقى تلبية لطلب من يدفع لنا ثمن البقاء، وفي الثالث قال سنضرب سورية، أهذه من كوميديات ترانس هيل وفرانكو نيرو في أفلام الكابوي الأميركية القديمة؟ أم هي صورة الاستراتيجية الأميركية بنسختها الترامبية التي أصبح فيها الابتزاز الدولي أمراً واقعاً؟ الضربة إذاً نفذت والسؤال من دفع ثمنها؟ وهل لأزمة الجاسوس الروسي علاقة بالمشاركة الواسعة لبريطانيا؟ وهل حققت الضربة أهدافاً عسكرية أو أمنية أبعد من غايتها الإعلامية؟
ترامب يلقي خطاباً في وقت الذروة الأميركية يعلن به عن فعالية عسكرية تقوم بها الولايات المتحدة بإسناد من بريطانيا وفرنسا؟ ويحذر روسيا وإيران من دعمهما لنظام الأسد، وفي هذا الوقت الذي يصادف بزوغ الفجر في سورية يندلع دوي القصف الصاروخي والجوي على مواقع قيل إنها محددة مسبقاً وكانت روسيا على علم بها، وربما سربتها بدورها للسلطات السورية، روسيا عدت الأمر إهانة لبوتين، وسورية خرجت منتصرة من ضربة فاشلة تغلبت خلالها الدفاعات الجوية على صواريخ التوماهوك الأميركية، فهل هي ضربة اختبارية محدودة؟ أم مجرد بروبكندا إعلامية لتسديد الفواتير المدفوعة سلفاً؟
هل هناك تفاهم بين أميركا وروسيا على محدودية الضربة وعدم المساس بالقوات الروسية المتواجدة في سورية؟ البعض لا يشك بوجود تفاهم من هذا النوع، بينما عدها البعض الآخر تحديا لروسيا، طبعا لا أحد يتكهن برد روسي مباشر، وهي ليست أكثر من رسالة مفادها أن سورية لا يمكن تركها لثلاثة أطراف هي روسيا وتركيا وإيران بعد التفاهم في المؤتمر الأخير الذي عقد بينها في تركيا، لكن تركيا التي تبدو متخبطة في قراراتها أيدت الضربة لتبقى تلعب بكل الأوراق حتى المحروقة منها، دول الخليج ودول عربية أخرى بدت كما لو أنها كانت تنتظر فعلاً أميركيا مباشراً لإسقاط الأسد، ومن بينها دول سعت لزعزعة أمن العراق بمجرد سقوط النظام الصدامي.
إن الهجوم الذي وصفته بعض وسائل الإعلام بالعدوان الثلاثي في محاولة لاستحضار العدوان الثلاثي على مصر، كشف عن خلل استراتيجي في توازنات القوى في المنطقة، فالضربة وإن كان القصد منها كما هو معلن تدمير القوة الكيمياوية، إلا أن سورية لم تعجز إذا ما فكرت باستخدام الأسلحة الكيمياوية متى تشاء، وأن بشار الأسد في الحسابات السياسية قد خرج أقوى مما كان عليه قبل الضربة، أما في الاستراتيجية العسكرية فقد تفوقت الدفاعات الروسية، ولا تزال أصداء إسقاط الطائرة ف 16 مدوية في إسرائيل، بينما يقف العرب على ضفتي شعوب تستنكر الهجوم من جهة، وحكومات مؤيدة ومحافظة ورافضة بخجل من جهة ثانية، فمتى يدرك المجتمع الدولي بأن منطق القوة غالباً ليس على صواب، والشعوب هي التي تدفع الثمن؟!.