منذ صغرنا تأدلجت عقولنا ومشاعرنا باتجاهين هما: الأخوة العربية وعداء إسرائيل، كل المناهج التربوية والتعليمية والأسرية والثقافية والإعلامية كانت تنمي في دواخلنا هذه الثنائية، قرأنا عما ساد البلدان العربية من هياج جماهيري إبان العدوان الثلاثي على مصر.
وقرأنا أيضاً عن هبة العرب في حروب 1948 و1967 و1973، كما عشنا أجواء ردة الفعل على اتفاقية كامب ديفيد، وقد كان ثمة تحفظات واعتراضات واحتجاجات على بعض الصراعات العربية الجانبية كالحرب بين مصر واليمن أو ما كان يدور من مناوشات بين المغرب والجزائر بشأن قضية الصحراء، لكن حصلت تطورات نوعية لتلك الثنائية، فمنذ الغزو الصدامي للكويت لم تعد هناك قيمة لأدبيات الأخوة العربية، وتأكد للجميع بأنها مجرد شعارات فارغة فقدت بريقها، وقد تناخت العرب لإدانة ذلك الغزو، باستثناء بعض المستفيدين ممن كانوا يظنون كما وعدهم صدام بأن الطريق للقدس يبدأ من الكويت، وجيشت الجيوش لتحرير الكويت، وبلعنا نحن العراقيين طعم الهزيمة، فانتفضنا وثرنا وأسقطنا المدن وكان بالإمكان إسقاط النظام بمساعدة بسيطة من القوات الدولية أو الأميركية، لكن أنفسهم العرب المتضررين من صدام لم يتخلوا عنه، وهم أنفسهم كانوا شركاءه في الحرب على إيران، وهم أنفسهم من سعوا بكل ما يمتلكون لإثارة الفتنة وزعزعة أمن العراق وتخريب العملية السياسية بعد إسقاطه في نيسان 2003.
لنفترض بأن الأخوة العربية سقطت عن عورتها ورقة التوت، ولم تعد سوى موروث أو فلكلور شعبي يستعيدونه مثل ذكريات قديمة بعض الرومانسيين العرب، لكن من هو عدونا الآن؟
أهو إسرائيل؟
لا طبعاً، بل إنها مقولة أصبحت دليل كراهية وعنصرية وتخلف في المعايير الدولية وحتى في الأدبيات السياسية العربية، وإذا ذهبنا أبعد من هذا فسنجد إسرائيل حليفاً استراتيجياً لبعض الأنظمة العربية ضد أنظمة عربية أخرى، ثمة تنسيق عربي إسرائيلي أميركي لشن هجمات جوية أو صاروخية ضد العرب، لم يعد هناك تخوف من عدو إسرائيلي، بل هناك تخوفات من أعداء عرب ومسلمين، وإذ سقطت رابطة العروبة سقطت معها رابطة الإسلام لأسباب طائفية لم تعد خافية على أحد، بل إن المنطقة لكي تصبح إسرائيل بمأمن عن أي صراع، أصبحت ساحة لحرب ساخنة بين العربية السعودية وإيران لتجسيد صورة جانبية للحرب الباردة، فبعد أن كانت حرب نجوم وسباق تسلح وتنافسات نفوذ ومصالح، أصبحت تدار بأدوات مباشرة تختبر خلالها الأسلحة وسوق استهلاكية لإدامة اقتصاديات الدول الكبرى والشركات عابرة، وإسرائيل عدونا الحميم الأقوى في مأمن؟
حروب القوى العظمى تدار بالنيابة، وحروب الحلفاء تدار بالنيابة، والضحية شعوب المنطقة، فقد تبدلت صيغة الحروب بين الدول، لتصبح حروباً وطنية في المناطق الرخوة التي يمكن إشعال الفتن الطائفية فيها، ويكون التدخل العسكري بحسب مقتضيات الحاجة، لنصل إلى معادلة جديدة نربي أجيالنا عليها، هي أن نكون حطباً لحروب الطوائف وإسرائيل صديقنا النووي الحر في مأمن.