في الانتخابات السابقة تبرع أحد المرشحين بكميات كبيرة من (السبيس) إلى أحد التجمعات السكانية العشوائية، لكن نائباً آخر من كتلة أخرى كان يترصده عن بعد وربما كان يضحك في سره، فالتجمع لا يستهان به، ولا يمكن تفويته، قرابة ألفي بيت، ولكي لا يثير انتباه أحد تسلل إليهم قبيل انطلاق عملية الاقتراع بساعات، أي في الساعات الأخيرة من يوم الصمت الانتخابي، ووزع عليهم سندات تملك، وفي هذه الانتخابات قام أحد المرشحين بتبليط الشوارع في تلك المنطقة العشوائية نفسها، وكلا العملين فيهما تخفيف عن كاهل أمانة بغداد! وسننتظر من سيتسلل إليهم في الساعات الأخيرة، فهنيئاً لهؤلاء الفقراء أن يحظوا بكل هذا الاهتمام خلال الحملات الانتخابية فقط، إذ يتسابق المرشحون لتلبية احتياجاتهم، وما هي إلا ساعات وتنتهي عملية الاقتراع فيهب أولئك الفقراء أنفسهم لقلع إطارات الدعايات الانتخابية بطريقة (الفرهود) بغية بيعها أو الاستفادة منها لتتمة سقوف بيوتهم الطينية، وربما للتخفيف عن كاهل الأمانة! وما هي إلا أيام ويجلس الفائزون بأصوات أولئك الفقراء على مقاعدهم تحت قبة البرلمان وتُنسى الوعود وتتوقف المكرمات.
شاعت في هذه الأيام ظاهرة خصخصة النفايات، إذ انبرى بعض المتعهدين لشراء سيارات حوضية وكابسات صغيرة وانتشروا في عدة مناطق لرفع النفايات مقابل مبالغ يدفعها المواطن، ربما بقصد التخفيف عن كاهل الأمانة أيضاً، وبأعذار وحجج واهية، فإلى وقت قريب قبل ظهور أولئك المتعهدين كانت الكابسات الحكومية تعمل بأداء معقول جداً، أما الآن فأصبحت لا ترى إلا بعد مرور أسبوع أو أكثر، فهل أن هذه الخصخصة تمت بعلم الحكومة والجهات المعنية؟ أم هي اجتهاد شخصي بالتنسيق مع بعض المستفيدين؟
ونتساءل أين كابسات الأمانة وإلى أين تذهب كميات الوقود المفترض أنها مخصصة لها لتعمل طوال الأسبوع؟ وإلى أين تذهب المبالغ المخصصة للصيانة؟ ولا ندري إن كانت خصخصة النفايات جزءاً من الدعاية الانتخابية لجهة ما؟ أم أنها دعاية مضادة تستهدف جهة أخرى؟!
الانتخابات على الأبواب وأعداد كبيرة من الناخبين لم تحسم- في تقديري- موقفها بعد، فمع غياب البرامج الانتخابية تنعدم المفاضلة، ويتم اللجوء إلى مفاضلات أخرى، قد تكون خارج القناعات، لكنها أفضل من أن يضحي الناخب بصوته، ولم نجد، من خلال مراقبتنا لسير الحملات الدعائية، مَنْ وفَّرَ بوصلة واقعية لتوجيه الناخبين، إما مجرد وعود وأما أعطيات ومكرمات، وأفضلهم من يحاول أن يلفت الانتباه لما يعتقد أنها منجزات قدمها خلال مسيرته السياسية، فمنهم من يمتلك المصداقية بما يدعي ومنهم من يحاول إيهام الناس، ومثلما ندعو الناخب لاختيار ما يراه صالحاً بحسب تقديره وبكامل إرادته، ندعو السادة المرشحين إلى الالتزام بيوم الصمت الانتخابي ليمنحوا الناخب فرصة للتأمل والمفاضلة بما يمليه عليه ضميره الوطني، فإن من يخرق القوانين لا يؤتمن على سنها أو الحفاظ عليها.