في كل ديمقراطيات العالم تقريباً يستطيع المواطن أن يعرف من هو رئيسه المقبل، أو من هو رئيس حكومته إذا كان النظام ملكياً، بمجرد الإعلان الأولي للنتائج، وفي الانتخابات البرلمانية هناك وضوح بسبب قلة عدد الأحزاب وقلة عدد المرشحين، فليس هناك ما يغري المواطن للترشح، إذ لا يتمتع عضو مجلس النواب بأكثر مما يتمتع به أي مواطن بسيط، ليس هناك أية امتيازات مالية سوى مخصصات بسيطة تضاف إلى راتبه الأصلي.
المشهد الانتخابي أقل تعقيداً بسبب وجود أحزاب وطنية جامعة، لا تختلف في هويات الانتماء وإنما تختلف في برامجها، وخيارات الناخبين تكون على ضوء ما يميلون إليه من برنامج يعتقدون بأنه الأصلح، لكن ديمقراطيتنا التي ما تزال تحبو بين ركام المحاصصة والفساد، وكلما تحاول النهوض تتعثر بخطوط حمر، بحسب الولاءات الخارجية والمصالح الجهوية والذاتية التي توجه بوصلة العمل السياسي وتجاذباته وتحالفاته.
ليس هناك سوى تكهنات لبعض المراقبين، بانتظار تشكيل الكتلة الأكبر التي ستكون ملزمة بالتوافق على رئيس وزراء، وهذا لا يمكن أن يتم من دون التوافق على رئيسي الجمهورية والبرلمان، إلى جانب الكابينة الحكومية التي ستكون وزاراتها موزعة بين مرشحي الكتل كل حسب نسبته واستحقاقه، ولا مكان للمعايير المهنية الأخرى.
هكذا بنيت العملية السياسية وستبقى هكذا إلى أمد طويل، ربما سيكون هناك تغير تدريجي، فيما لو انبثقت من صلب الحراك السياسي كتل وطنية عابرة للطائفية، نحتاج إلى أربعة أحزاب على الأقل أو تكتلات سياسية وطنية لا تشترط هوية فرعية في الانتماء إليها.
لكل حزب سياسته ورؤيته في رسم معالم الدولة، وأن ترسم عبر برامجها رؤية واضحة للسياسة الخارجية، لا أن تكون تابعة لهذا المحور أو ذاك، وإنما تتعامل مع القوى الخارجية على أساس احترام سيادة البلد واستقلاليته.
نأمل أن تقدر الكتل السياسية الفائزة قيمة الوقت، وتسارع لتشكيل الكتلة الأكبر، لتغلق باب الخلافات وتحسم بعض المشكلات المتعلقة بالتحالفات، وليس أمامنا نحن المواطنين سوى أن ننتظر، فحياتنا معاشاً وأمناً واستقراراً تتوقف على توافقاتهم.
ولا نعتقد بأن شيئاً جديداً سيحصل طالما أن آلية تقاسم السلطة باقية كما هي، فمن يريد رئاسة الوزراء سيضحي بعدد من الوزارات لمن ينافسه، ومن يريد رئاسة البرلمان سيحث على التوافق مع من حسم رئاسة الوزراء، وكذلك الأمر لرئاسة الجمهورية.
ولا نتوقع ظهور كتلة تكتفي أن تكون معارضة، لكننا نطمح أن تتفق الكتلة الأكبر إذا تشكلت أن تضع خريطة طريق حقيقية لإدارة الدولة، وأن تتفق على مبادئ أساسية أولها رسم السياسة الخارجية على وفق المصالح العليا للبلد، بما يلائم أمننا القومي.
وأعتقد بأن الفرصة مؤاتية بعد سلسلة الانتصارات التي طوت صفحة الإرهاب ورسخت ضرورات الوحدة الوطنية، فقد أصبح لنا رصيد من النجاح يجعل المجتمع الدولي ملزماً بدعم تجربتنا واحترام تطلعاتنا في النهوض الحضاري، والأمر بأيدينا لا بأيدي الآخرين.